استضاف “المعهد الملكي للعلاقات الدولية” في مقره بالعاصمة البلجيكية بروكسل، سعادة الدكتور الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة “دراسات” لإلقاء محاضرة في ندوة خاصة، تحت عنوان “التطورات الإقليمية في منطقة الخليج”، بحضور لفيف من رؤساء مراكز دراسات استراتيجية، وسفراء، ومختصين، ووسائل إعلام.
وفي مستهل كلمته، أشار الدكتور الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة إلى أوجه الشبه بين مملكتي البحرين وبلجيكا، مبينا أن البلدين منذ القدم مثلا مركزين مهمين للتجارة والثقافة، ويقدمان نموذجين جديرين بالاهتمام في منطقتين مختلفتين من العالم، مفاده أن الدول صغيرة المساحة ومحدودة السكان، يمكن أن تكون مؤثرة وكبيرة بمواقفها وحكمة قياداتها، وأن تنخرط بفعالية في التجمعات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى قدرتها على صهر التمايزات الدينية والعرقية من خلال إدارة التنوع في إطار الوحدة والتسامح، وأن يكون التنوع عامل قوة لا اختلاف.
واستعرض رئيس مجلس أمناء مركز “دراسات” التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، والتحديات الأمنية التي تشكل العامل الأكثر تأثيرًا في خارطة الأحداث ومستقبل المنطقة.
وأكد الدكتور الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، أن المفتاح الرئيسي في فهم التحركات والسياسة الخارجية الإيرانية هو توظيف الجانب العقائدي لنظام ولاية الفقيه في مشروع عنصري عالمي الطابع وبعيد المدي للهيمنة والتوسع، يقوم على أدوات وآليات غير مشروعة وتنتهك القانون الدولي.
وأوضح رئيس مجلس الأمناء، أن التركيز الدولي على الوصول لاتفاق يعرقل إمتلاك إيران السلاح النووي مقابل منحها امتيازات وتنازلات كان خطأ استراتيجيا فادحا، فقد تم غض الطرف عن دور النظام الإيراني في صناعة وتمويل ورعاية الإرهاب عبر شبكات وخلايا مسلحة، وزعزعة أسس الاستقرار لدول المنطقة، إلى جانب تطوير طهران الصواريخ البالستية بأنواعها المختلفة، وتهديدها للأمن البحري وامدادات الطاقة.
وطالب المحاضر الدكتور الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، المجتمع الدولي بممارسة الضغوط المؤثرة والنوعية، لاحتواء سياسات النظام الإيراني في زعزعة أمن واستقرار المنطقة.
وعن الأزمة مع قطر، أكد رئيس مجلس أمناء مركز “دراسات” أن قطر لم تراع ثوابت المنطقة ومتطلبات الأمن وعلاقات الجوار، وحاولت استغلال ثروة الغاز في كسب النفوذ الإقليمي عبر “التحالف مع الشيطان” المتمثل في جماعات الإرهاب. لذلك تقترب سريعًا من أن تكون دولة منبوذة في محطيها الإقليمي بسبب سلوكها غير المسؤول.
وفي الجزء الثاني من المحاضرة، تناول رئيس مجلس أمناء مركز “دراسات” أولويات السياسة الخارجية لمملكة البحرين، ويأتي في مقدمتها مواصلة العمل مع الحلفاء والشركاء، وتعزيز مستويات التعاون وأطر التنسيق المتبادل البناء والمثمر، ومن هذا المنطلق تشكل الدائرة الأوروبية أحد أهم الاهتمامات الخارجية منذ الاستقلال، كما تولي المملكة أهمية كبيرة لحلف “الناتو” كمنظمة تلعب دورًا محوريًا في تعزيز السلام والأمن. ومن هذا المنطلق أصبحت البحرين عضوا في “مبادرة اسطنبول للتعاون” منذ إنشائها عام 2005، وتهتم بالتفاعل مع عملية تطوير المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف.
وأوضح الدكتور الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، أن البحرين تتطلع في إطار رؤية ملكية سامية إلى بناء نظام أمني إقليمي متوازن وفاعل، يتكامل فيه الأمن والتنمية، ويستند إلى مبادئ الإصلاح، والتنمية المستدامة، ومحاربة التطرف والإرهاب بمختلف أشكاله، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتعزيز الشراكات الإستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة، مشيرًا في هذا السياق إلى أن مملكة البحرين تتبني رؤية منفتحة ووسطية للإسلام المعتدل، وعملية الإصلاح ترتكز على التنوع في إطار الوحدة، وتحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة وحماية الحريات، والتعاون الدولي الإيجابي. والبحرين شريك فاعل في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، و”التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب”، وتقوم بجهد كبير لمواجهة التطرف.
ويواكب ذلك، احترام الحريات الدينية، ونشر ورعاية التسامح، وترسيخ الحوار والتعايش بين الأديان والمذاهب والحضارات، حيث تم إطلاق “إعلان مملكة البحرين” كوثيقة عالمية لتعزيز الحريات الدينية، وتدشين “مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح رئيس مجلس الأمناء أن حكومة البحرين برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وبدعم ريادي ونوعي من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، تقوم بخطوات مهمة على صعيد الحفاظ على مكانتها كمركز للمال والاستثمار وريادة الأعمال، وتحرص على تنويع الاقتصاد، ونمو اقتصاد المعرفة والابتكار.
وفي ختام المحاضرة، استعرض الدكتور الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة رؤية مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة “دراسات” الرامية إلى بلورة منظور استراتيجي واقعي شامل للأمن الإقليمي، مشيرا في هذا الصدد إلى أن مركز “دراسات” نجح في أن يكون ضمن أفضل خمسة مراكز للدراسات على المستوى العالم العربي.
وعقب الإنتهاء من المحاضرة، تم فتح باب النقاش، حيث أجاب الدكتور الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة على أسئلة الحضور فيما يتعلق بأوضاع منطقة الخليج والتحديات القائمة، وأهمية التحالفات العسكرية في المنطقة بقيادة المملكة العربية السعودية، ودورها المهم في تعزيز أمن واستقرار المنطقة. كما تم تسليط الضوء على مختلف أبعاد ومرتكزات المشروع الإصلاحي كمشروع ذاتي وشامل ومتجدد، وكذلك نجاح رؤية البحرين الاقتصادية 2030 في ترجمة أهدافها كرؤية وطنية رائدة ومتقدمة.