هل ضريبة القيمة المضافة هي أفضل خيار لدول مجلس التعاون؟

عتمد اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي اعتمادا كبيرا على قطاع الطاقة، حيث أن حوالي 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة هو من قطاع النفط والغاز. وعلاوة على ذلك، فإن الإيرادات من قطاع النفط والغاز تشكل نحو 80 في المئة من الميزانيات الحكومية. ولهذا لا يخفى على أحد تأثير هبوط أسعار النفط على ميزانيات دول مجلس التعاون، حيث حققت دول مجلس التعاون الخليجي عجزاً في العام الماضي مقارنة مع فائض كبير في 2012. التقلب في أسعار النفط يشجع دول مجلس التعاون للقيام باصلاحات بهدف تنويع مصادر دخلها. ومن هنا أتى القرار فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5٪ لتعزيز استدامة التدفقات المالية للحكومات. ومن المتوقع أن تطبق الضريبة في يناير 2018 أو 2019 كحد أقصى.

ضريبة القيمة المضافة هي أكثر الضرائب الاستهلاك شيوعاً حول العالم، حيث تطبق هذه الضريبة على أكثر من 150 دولة، بما في ذلك جميع أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بإستثناء الولايات المتحدة. هذا النمو في استخدام ضريبة القيمة المضافة الى حد كبير حل محل الضرائب غير المباشرة الاخرى. ضريبة القيمة المضافة أداة فعالة لتحصيل الإيرادات، مقارنة مع البدائل في الضرائب غير المباشرة. وإذا تم تصميمها وتشغيلها بشكل صحيح وفعال يمكن أن تكون تكاليفها الادارية محدودة وتأثيرها على الاعمال التجارية صغير. فمثلاً التشوهات الاقتصادية والتكاليف الادارية تكون اقل عندما تفرض ضريبة القيمة المضافة بدل فرض ضرائب مختلفة بنسب متفاوتة على قاعدة ضيقة وتكون هناك العديد من الاعفاءات.

تتميز الضرائب الحالية في دول مجلس التعاون الخليجي بنسب منخفضة والقواعد الضيقة، وعائداتها ليست كافية لضمان استدامة التدفقات المالية في الميزانية. على سبيل المثال، البحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان لديها ضرائب بنسب تقل عن 10٪ على فنادق والترفيه، وإيجار العقارات، والخدمات الحكومية. لا يتم فرض ضريبة الدخل الشخصية في دول مجلس التعاون الخليجي، في حين يتم تطبيق الضرائب الشركات فقط على الشركات المملوكة من قبل الأجانب. وبالتالي فإن الضرائب الحالية متواضعة ومساهمتها في الميزانية صغير جداً. يمكن زيادة الايرادات ورفع كفاءة النظام الضريبي عبر فرض ضريبة القيمة المضافة.

الايرادات المحتملة من ضريبة القيمة المضافة أعلى من غيرها حيث أنها تفرض على قاعدة واسعة والمجال للتهرب الضريبي يكون أصغر. فمثلاً يمكن للمستهلك تجنب ضريبة المبيعات عبر الشراء بالجملة أو عبر الشراء عن طريق صاحب عمل. ضريبة المبيعات تكون أيضاً مكلفة ادارياً ففي كثيرا من الاحيان من الصعب تحديد ما اذا كانت السلعة ستستهلك أو ستستخدم في الانتاج. وضريبة القيمة المضافة قد تؤدي أيضاً إلى تشجيع الادخار والاستثمار لأنها ضريبة على الاستهلاك وليست ضريبة على الدخل.

فرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5% على دول مجلس التعاون من المتوقع أن يولد ايرادات بنسبة 1.6% من اجمالي الناتج المحلي في مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، 1.5 في الامارات، 1.4% في الكويت وعمان و0.8% في قطر. وهذا من شأنه أن يشكل إضافة كبيرة إلى ما يولد حاليا من الإيرادات الحكومية الغير النفطية. ويمكن أن تستخدم هذه الايرادات على المشاريع التنموية التي تستهدف ذوي الدخل المتدني، حيث أن أن اعادة توزيع الدخل عبر الانفاق الحكومي يمكن أن يكون أفضل من توزيع الدخل عبر وضع معدلات متباينة وإعفاءات من الضرائب.

نظرا لأن معدل الضريبة سيكون منخفض، من المتوقع أن الآثار السلبية لضريبة القيمة المضافة ستكون صغيرة جداً. على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي لن تكون قادرة على الترويج لنفسها كمنطقة خالية من الضرائب، من غير المرجح أن تؤثر ضريبة القيمة المضافة على الاستثمار الأجنبي المباشر. إن التحدي الذي يواجه دول مجلس التعاون الخليجي حاليا هو أنها ليس لديها البنية التحتية اللازمة والخبرة في إدارة الضرائب، ولذا يجب بناء نظام حديث للإدارة الضريبية الذي يضمن الامتثال.

وهناك مجموعة واسعة من الإصلاحات المتوقعة في دول مجلس التعاون الخليجي والتي تشمل فرض الضرائب، وتغيرات لزيادة الكفاءة الحكومية، وخصخصة الشركات العامة ، وجهود لزيادة الاستثمارات في القطاع الخاص. على سبيل المثال أعلنت المملكة العربية السعودية مؤخرا “رؤية المملكة العربية السعودية 2030” والتي تتضمن مجموعة متنوعة من الإصلاحات التي تهدف إلى تحفيز الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل. ولذلك بدأت دول الخليج في خفض الدعم عن الطاقة، فدعم الطاقة يشكل أكثر من 3% من الناتج المحلي في جميع دول مجلس التعاون ويشكل حوالي 10% من الناتج المحلي في المملكة العربية السعودية وفي مملكة البحرين. خفض الدعم يساعد في التقليل من الضغوطات على الميزانية والحد من التشوهات الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار الطاقة.

فرض ضريبة القيمة المضافة وخفض دعم الطاقة يشكل جزءاً من برنامج واسع النطاق للإصلاحات الاقتصادية في المنطقة. وتدرك دول مجلس التعاون أنه رغم أن فرض ضريبة القيمة المضافة يساهم في تنويع مصادر دخل الحكومات الا أن فرض الضرائب من أجل زيادة الايرادات الحكومية من دون أي تغيير في طبيعة الانفاق الحكومي لن يكون كافياً لاستدامة التدفقات المالية للحكومات.

Related posts