خلال مؤتمر “حكم آل خليفة في شبه جزيرة قطر: التاريخ والسيادة”

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد،

الإخوة والأخوات من الضيوف والحضور الكرام..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

يسرنا أن نرحب بكم أجمل ترحيب، في لقاء متجدد، يؤكد عزمنا المشترك على الاستثمار في المعرفة، ويثري جهودنا في صهر الأفكار لإنتاج رؤى خلاقة ومبادرات فاعلة، من أجل تعزيز رفعة وريادة مملكة البحرين، وسيادة الأمن والسلام في ربوع منطقتنا. معربين عن بالغ التقدير والاعتزاز، بحضور ومشاركة ومساهمات، هذه الكوكبة المتألقة من أصحاب الفكر والثقافة، ورواد التاريخ والإعلام، فى مؤتمر: “حكم آل خليفة فى شبه جزيرة قطر.. التاريخ والسيادة”، والذي يتناول حقبة زمنية مهمة من تاريخ منطقة الخليج العربي، وهي حكم آل خليفة وسيادتهم على شبه جزيرة قطر، منذ بداية إنشاء دولة آل خليفة في الزبارة عام 1762م.

ويعتبر هذا العام، نقطة تحول محورية في تاريخ المنطقة الحديث، فقد نهض حكام آل خليفة بكافة أعمال السيادة في تلك المنطقة في إطار حكم رشيد، وقدموا نموذجا في الإدارة وحماية التجارة، وتأمين الملاحة البحرية، إلى جانب استتباب الأمن، وتطبيق النظام والقانون، والقيام بمهام ومسؤوليات الدولة الحديثة، وتنفيذ أحكام المعاهدات الدولية على شبه جزيرة قطر وجزر البحرين.

ونتيجة لذلك تحولت الزبارة إلى حاضرة سياسية ومركز تجاري مزدهر، وواجهة رئيسية في الخليج العربي.

والأهم في تقديري، أن الزبارة تحت حكم آل خليفة، هي رمز للوحدة الأزلية بين شبه جزيرة قطر وجزر البحرين. وهي حقيقة أكدها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه فب الوقت الحاضر بالقول: “نحن أعرف بشعب قطر، هم أهلنا وأصدقاؤنا وهم شعبنا قبل حكم آل ثاني”. (انتهى الاقتباس)

والشاهد أن البحرين لم تتخل يوما عن الزبارة، بل كانت ضمن المطالب الرئيسة أمام محكمة العدل الدولية، باعتبارها والمناطق الأخرى، تشكل جزءا أصيلا من أراضي المملكة، وهي حقوق تاريخية وشرعية موثقة من كيان البحرين السيادي، حيث رسمت الحدود الجديدة جبرًا بقوة إسناد أجنبية، للاستحواذ على منابع الطاقة. كما تعرضت المملكة لسلسلة متواصلة من الأطماع والمؤامرات، وتحملت الكثير من أجل النأي بمجلس التعاون الخليجي عن الخلافات.

وفي المقابل، شكل حكام آل ثاني على الدوام، عنوانا للتمرد والتآمر، ومصدرا للفتن والفرقة، لتحقيق أغراض السيطرة والتوسع، وبكافة الوسائل غير المشروعة، ومنها اللجوء إلى القوة المسلحة الغاشمة والتهجير القسري، كما حدث في العدوان العسكري على إقليم الزبارة فى عام 1937م، وتكرر في الديبل عام 1986م، وصولا إلى التدخلات القطرية في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين عبر دعم جماعات الإرهاب، والتحريض الإعلامي، وتجنيس فئات معينة، بشكل غير قانوني، بغرض التأثير على النسيج الاجتماعي.

وهناك أضرار بالغة، تمثلت في شهداء الواجب الأبرار، وتأثر البني التحتية، والنهب المنظم لثروات البحرين في أراضيها التاريخية، فضلا عن معارضة حكام الدوحة للإصلاحات الرائدة والكبيرة في المملكة، والتي يقودها بحكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى.

وهذه القضايا والحقائق، جرى استعراض وتوثيق جانب مهم منها، خلال منتدى “دراسات” السنوي في دورته الأولى خلال شهر يناير الماضي، والذي جاء بعنوان “قطر: عراب الفوضى والأزمات فى الشرق الأوسط”، وكذلك كتاب المركز الجديد “العدوان القطري على الديبل عام 1986”.

الحضور الكرام،،

لاشك أن هناك دورًا مهمًا لمراكز الدراسات والبحوث في استقراء حركة التاريخ كأساس لا غني عنه، لفهم مجريات الحاضر، واستشراف المستقبل.

ونطمح أن تكون أعمال وتوصيات مؤتمرنا الذي يتوزع على ثلاث جلسات، دافعا للمتخصصين والباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة، لتسليط الضوء على هذه الحقبة الزاخرة بالوقائع والتفاعلات، وسبر أغوار أحداثها، والتوقف عند أبعادها المختلفة.

وقبل البدء فى جلسات محاور المؤتمر، أود أن أستبق ذلك بطرح تقديمٍ موجز عن نسب آل خليفة وارتحالهم، أجد الإحاطة به لزامًا، قبل البدء بطرح أوراق المؤتمر.

أولاً؛ النسب

يذكر سمو الشيخ عبدالله بن خالد بن علي آل خليفة رحمه الله فى ما كتب عن العتوب: “أن العتوب تحالف قبلي يضم أفخاذًا وعشائر عدة تنتمي لعدة قبائل، تصاهرت فى ما بينها وكونت هذا التحالف الذي تشير إليه كثير من المصادر والمراجع ببني عتبة، كما يرد عند عثمان بن سند حين يذكر: “والذي يظهر أن بني عتبة متباينو النسب لم تجمعهم فى شجرة أم وأب، ولكنهم تقاربوا فنُسب بعضهم لبعض، وما قارب الشيء يعطى حكمه على الفرض”. والتحالفات القبلية معروفة فى شبه الجزيرة العربية منذ ما قبل الإسلام. ومن عشائر العتوب من ينتمي لقبيلة عنزة كآل خليفة والصباح والجلاهمة والفاضل، وهم ينتمون لجميلة بن وائل. ومنهم ينتمي لقبيلتي تميم وسُليم كآل بن علي. وكانت عزوتهم واحدة وهي أولاد سالم، وظلت كذلك إلى أن سكنوا الكويت فزالت هذه العزوة أو الشهرة، وصار كل منهم يلقب باسم عشيرته”.

وتؤكد الوثائق والمصادر تسلسل نسب آل خليفة فى القرن الثامن عشر الميلادي/ الثاني عشر الهجري الذي يعود إلى خليفة الكبير، وهو الشيخ خليفة بن محمد بن فيصل العتبي المؤسس لهذه العشيرة فى الهدار بالأفلاج فى جنوب شرقي نجد بشبه الجزيرة العربية. وهذا النسب لشيخ بني عتبة من آل خليفة هو الذي تواتر عند المؤرخين بعد ذلك سواء عن شيوخهم وشخصياتهم فى الكويت أو فى الزبارة والبحرين، سواءٌ فى المصادر العربية كابن لعبون النجدي أو عبدالجليل الطبطبائي؛ أو فى المصادر الأجنبية كالفرنسي أوتر (1750م/ 1164هـ) والهولندي كنبهاوزن (1756م/1170هـ) والدانماركي نيبور (1765م/1179هـ)، مما لا يدع مجالًا للشك فى أنَّ لقب العتبي هو الأساس الذي كانوا يرجعون إليه. وقد دخلت بعض البيوتات فى هذا النسب كنتيجةً للتقارب، الذي يكون بسب المجاورة فى السكنى والتي يتبعها مصاهرة أو تحالف يمتد بهما النسب، فيلتحق الأصهار والأحلاف بالنسب السائد ذي العزوة.

وذكر النبهاني أن بني عنزة: “تنقسم إلى أفخاذ كثيرة أكبرها جُميلة، وتنقسم بنو جميلة إلى فصائل أشهرها بنو عتبة. وتنقسم أيضًا بنو عتبة إلى عشائر، أكبرها وأشرفها آل خليفة… وقد عظمت هذه العشيرة حتى ساوت الفخيذة، فنُسب الشيخ خليفة الذي اشتهرت به هذه الفخيذة من عتبة”.

وبينما يذكر الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة فى رسالته إلى عبدالعزيز الرشيد بأن آل خليفة من “جميلة وبيتهم معروف بين عشيرتهم بالبجاديين، وجميلة بطن من قبيلة عنزة وأقرب العنزيين إليهم العمارات”، فإنَّ الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة فى رسالته إلى سيف مرزوق الشملان يشير إلى: “أن آل خليفة من تغلب بن وائل”. وهذا يتوافق بشكل عام مع النسب إلى عنزة بن أسد الذي ذكره ابن سند، ومن ثَمَّ فإنَّ عتبة الذي ينتسب إليه هذا القبيل، لا يعدو أن يكون عتبة بن سعد بن زهير البطن المعروف فى تغلب، وأن تكون الجميلة فخذ من عتبة.

ويشير أحد الباحثين إلى أن مسألة دخول فرع الجميلة من العتوب فى عنزة، وهم الذين كانوا ينسبون قديمًا فى وائل، هو كما أشار عثمان بن سند، ” أمر مشاهد فى سائر عشائر نجد التي تنتمي إلى تغلب بن وائل، فمعظمها قد دخل فى قبائل أخرى مثل الدواسر وعنزة وشمر وغيرها”.

ثانيًا؛ الارتحال

هاجرت عشائر تحالف العتوب فى النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي /القرن الحادي عشر الهجري أي نحو عام 1671م/ 1082هـ من موطنها فى الهدار بالأفلاج فى جنوب شرقي نجد واستقرت فى المبرز بالأحساء فى شرقي الجزيرة العربية فى إقليم البحرين الذي كانت تحكمه قبيلة بني خالد. ويُستدل على ذلك التاريخ بما أقطعه براك بن عريعر شيخ بني خالد للعتوب من نخل فى القطيف بعد مشاركتهم له فى فتحها فى ذلك العام. وهو النخل الذي أوقفه الشيخ خليفة بن محمد بن فيصل العتبي الجد الأكبر لآل خليفة على المسجد الذي بناه في الكويت عند وصولهم إليها.

وينقل عبدالعزيز الرشيد عن الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة أن: “سبب ارتحال آل صباح وآل خليفة من الهدار، كان بسبب نزاع حصل بينهم وبين بني عم لهم من بطن جميلة من عنزة، وأخيرًا تغلبوا على خصومهم وأخرجوهم من البلد. فلجأ الخصوم إلى قبيلة الدواسر فى الوادي فزحفوا معهم على الهدار، على أن البلد لم تخل من مناصر لهم إضافة إلى مساعدة الدواسر، فتم لهم الاستيلاء عليها وأخرجوا منافسيهم المتغلبين من الصباح وإخوانهم”.

ويعزو الريكي ارتحال أغلب عشائر الهدار بالأفلاج من جميلة وغيرهم إلى شرقي الجزيرة العربية بسب الفتن التي وقعت بين عشائر الأفلاج بقوله: “أن مدن الأفلاج كانت فى غاية القوة فى القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين [السادس عشر والسابع عشر الميلاديين]، ثم أصاب أهلها القلة في المال والرجال واستولى عليها الخراب”.

ويمكن أن يعدّ هذا الارتحال كجزء من هجرة عنزة الكبرى من نجد التي تمت فى النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي/ الحادي عشر الهجري، إما بسبب القحط الشديد الذي أصاب مواطنها، أو بسبب النزاعات القبلية بينها وبين القبائل الأخرى كما يشير الريكي. فبينما هاجرت عشائر العمارات إلى العراق والرولة إلى الشام، ارتحلت عشائر العتوب إلى شرقي شبه الجزيرة العربية.

وفى عام 1675م/ 1086هـ، ارتحل العتوب إلى فريحة على الساحل الشمالي الغربي من شبه جزيرة قطر التي كانت تخضع لبني خالد، كجزء من إقليم البحرين، والإمرة فيها لآل مسلم فى الحويلة على الساحل الشمالي الشرقي من شبه جزيرة قطر. ولخشية آل مسلم من إضعاف دور الحويلة السياسي والاقتصادي، نتيجة تزايد أعداد العتوب وازدياد قوتههم، والتنافس السياسي والتجاري للعتوب مع التحالفات القبلية الأخرى فى منطقة الخليج العربي كالهولة، اضطر تحالف العتوب فى عام 1701م/ 1113هـ إلى أن يرتحل بعشائره إلى البصرة عبر الساحل الشرقي من الخليج العربي، فى نحو 2000 بيت، كما تشير وثيقة والي البصرة العثماني المؤرخة فى عام 1701م/1113هـ، غير أن السلطات العثمانية لم تسمح لهم بالإقامة فى البصرة، مما أدى بالتحالف إلى أن يحط رحاله في القرين (الكويت).

وإشارة إلى ما تورده كثير من المراجع العربية والأجنبية عن تاريخ الكويت، فيمكن القول أن نشأة القرين (الكويت) قد سبقت قدوم العتوب، أي منذ عهد بني خالد، إلا أن ازدهارها وبروزها كحاضرة سياسية وتجارية فى الخليج العربي، قد تم على يد العتوب حين هاجروا إليها فى عام 1701م/ 1113هـ.

وحسب ما يذكره فرنسيس واردن، فإنَّ العتوب اتفقوا عقب استقرارهم فى الكويت على أن يُعهد بشؤون الحكم إلى عشيرة الصباح، وأن تشرف عشيرة الجلاهمة على شؤون الملاحة البحرية، في حين يتولى آل خليفة أمور التجارة. ولذلك نمت الكويت وازدادت أهميتها التجارية على خطوط الملاحة البحرية بين الهند وأوروبا وعلى طرق القوافل التجارية بين حلب فى الشام وشرقي الجزيرة العربية.

وتواصل نمو الكويت وتطور ازدهارها الاقتصادي منذ بدايات القرن الثامن عشر الميلادي حتى الستينيات من القرن نفسه، حين ارتحلت عشيرة آل خليفة، برئاسة الشيخ محمد بن خليفة إلى الزبارة على الساحل الشمالي الغربي من شبه جزيرة قطر، لأسباب تتعلق بالتطلع إلى إقامة دولة لآل خليفة من جهة، وللنأي عن الصراع مع بني كعب بسبب تعدياتهم على الكويت، وما أدت إليه هذه التعديات من المنافسة بين عشائر العتوب نفسها من جهة أخرى؛ وكان ذلك الارتحال فى عام 1762م/1176هـ.

وبالتأكيد، هناك العديد من الدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها، وأيضا الكثير من الحقائق الغائبة أو تلك التي لم تنل حقها من البحث والاهتمام.

ويحدونا الأمل، بأن يقود النقاش والتفاعل بين الآراء إلى تطوير الرؤى وتحفيز الجهود، للإسهام في مواجهة كل من يريد الشر والسوء بأمننا ومقدراتنا وسيادتنا. وأشكركم مرة أخرى على حضوركم الكريم ومشاركتكم البناءة، متطلعا باهتمام وشغف كبير للنقاشات العميقة، والحوارات المثمرة، والتوصيات القيمة، خلال جلسات المؤتمر، سائلًا الله تعالى التوفيق والسداد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

Related posts