العلاقات البحرينية– اليابانية: من إرث التعاون إلى آفاق الشراكة الاستراتيجية
تعود جذور العلاقات البحرينية– اليابانية إلى عام 1934م، حين أبحرت أول شحنة نفط بحرينية إلى اليابان، لتشكّل نقطة انطلاق لمسار طويل من التعاون بين بلدين يفصل بينهما البعد الجغرافي وتجمعهما المصالح المشتركة. ومع إقامة العلاقات الدبلوماسية رسميًا في عام 1972م، مرّتمسيرة التعاون بمحطات متعاقبة شملت الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية؛ وصولًا إلى مرحلة جديدة من التطور النوعي مع الزيارة الرسمية التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، إلى اليابان في سبتمبر 2025م. وقد شكّلت هذه الزيارة نقطة تحوّل محورية؛ إذ اتفق الجانبان على الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، في خطوة تعكس إدراكًا متبادلًا لأهمية بناء تعاون أوسع وأكثر ديناميكية يواكب متطلبات العصر.
ولعلّ أبرز ما ميّز الزيارة توقيع خمس مذكرات تعاون استراتيجية شملت مجالات الفضاء، والملكية الفكرية، والتحول الرقمي، والنقل الجوي، وتنمية الكفاءات الحكومية؛ ما يعكس إدراك البلدين لأهمية الانتقال بالعلاقات نحو أبعادٍ أكثر شمولًا وتكاملًا، وتجاوز الأطر التقليدية إلى مسارات مبتكرة تدعم النمو الاقتصادي والتقني والمؤسسي. وقد تزامن ذلك مع إطلاق الحوار الاستراتيجي البحريني – الياباني ليشكّل منصة دائمة للتشاور في قضايا السياسة والأمن والتنمية، وتعزيز التنسيق في الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ومع تنامي الشراكة البحرينية– اليابانية، برز البُعد الاستراتيجي والأمني كركيزة أساسية، من خلال توافق البلدين على دعم حلّ الدولتين في فلسطين، وتعزيز أمن الملاحة في البحر الأحمر والمحيطين الهندي والهادئ، وتقارب المواقف إزاء القضايا الإقليمية والدولية ضمن أطر الحوار متعدد الأطراف، بما يعزّز دور الشراكة في ترسيخ الاستقرار الإقليمي.
على الصعيد الاقتصادي، مثّلت الزيارة نقطة تحوّل في الشراكة البحرينية– اليابانية، حيث فتحت آفاقًا جديدة للاستثمار والابتكار والتحول الرقمي بما ينسجم مع رؤية البحرين 2030م، مؤكدةً مكانة المملكة كبوابة رئيسية للشركات اليابانية نحو الخليج، وممهّدةً لربط استثماراتها بمشاريع البنية التحتية والطاقة النظيفة. ولطالما كانت اليابان شريكًا اقتصاديًا محوريًا لمملكة البحرين في مجالات التكنولوجيا والمعدات، مقابل صادرات الألمنيوم والمنتجات البترولية البحرينية، بما يعزّز التبادل التجاري ويدعم مسارات التنمية المستدامة في كلا البلدين.
وعلى المستوى الثقافي، تواصل البحرين، عبر جناحها «تلاقي البِحار» في إكسبو 2025-أوساكا، تقديم سردٍ حيٍّ يمزج بين أصالة التراث وروح الابتكار؛ ليجسّد تاريخها البحري العريق، ودورها كجسرٍ حضاري يربط الشرق بالغرب، مؤكّدًا حضورها الدولي كمنصّةٍ للانفتاح والتواصل بين الثقافات. وفي ضوء ما تقدّم، تدخل العلاقات البحرينية –اليابانية مرحلةً جديدة قوامها الشراكة الاستراتيجية والرؤية المشتركة لمستقبلٍ أكثر ازدهارًا واستقرارًا؛ مرحلةٌ تفتح آفاقًا أرحب للتعاون الاقتصادي والأمني والتقني والثقافي، وتعزّز مكانة البلدين كشريكين فاعلين على الساحتين الإقليمية والدولية، وترسّخ أسسًا متينة لعلاقاتٍ مستدامة تستجيب لتحديات العصر وتطلعات الأجيال القادمة.
تسنيم عبد الله عيسى، باحث مساعد إدارة الدراسات والبحوث