المسؤولية المجتمعية في الحفاظ على الماء والطاقة
تُعدّ المسؤولية المجتمعية اليوم ركيزة أساسية في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية التي يشهدها العالم. فالماء والطاقة، وهما عصب الحياة والتنمية، يواجهان ضغوطًا متزايدة نتيجة النمو السكاني والتوسع العمراني والتغيرات المناخية. وفي ظل هذه الظروف، تبرز أهمية إشراك الأفراد والمؤسسات والمجتمع ككل في تحمل المسؤولية المشتركة للحفاظ على هذين الموردين الحيويين، ليس فقط من أجل الحاضر، بل من أجل ضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.
خلال المؤتمر العالمي للمياه والطاقة وتغير المناخ في دورته الثانية، والذي نظمته وزارة النفط والبيئة في مملكة البحرين خلال الفترة 9-11 سبتمبر 2025م، تم تسليط الضوء بشكل خاص على العلاقة بين قضايا الماء والطاقة والتغير المناخي. هذا المؤتمر – الذي جمع خبراء من القطاعين الحكومي والخاص، بالإضافة إلى القطاع البحثي والمجتمع المدني – شكّل منصة هامة لتبادل أفضل الممارسات، واستعراض الإنجازات، ومناقشة التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة، مثل ندرة المياه، والاعتماد على الوقود الأحفوري، والابتكار في الطاقة المتجددة؛ ومن خلال المؤتمر، أصبحت هذه القضايا تحت المجهر، وتمت مناقشة آفاق التعاون الإقليمي والدولي، وكان واضحاً إثارة النقاش حول أن مسؤولية مواجهة تلك التحديات ليست حكومية فحسب، أو ذات جانب تقني فقط، بل هي أيضاً مسؤولية اجتماعية وثقافية.
إحدى أبرز الآليات في هذا الجانب هي الحملات التوعوية الحكومية، ومنها إعلان المجلس الأعلى للبيئة عن الحملة الوطنية لاستدامة المياه تحت شعار: “لكل قطرة قصة”، وذلك بالشراكة مع صندوق المناخ الأخضر وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بالإضافة إلى عدد من الجهات الحكومية والخاصة، وهي المبادرة التي لاقت صدىً واسعًا بين المواطنين والمقيمين، حيث لوحظ أن هذا النوع من الحملات لا يقتصر على التوجيه أو الأرقام، بل يخاطب الناس من خلال قصص إنسانية ورسائل وجدانية تربط بين الماء والحياة اليومية. بذلك يتحول ترشيد الاستهلاك من مجرد التزام إلى جزء من السلوك اليومي، ومن واجب فردي إلى قيمة مجتمعية مشتركة. مثل هذه المبادرات تؤكد أن التغيير يبدأ من وعي الأفراد، ثم يترسخ بالعمل الجماعي.
من الناحية البيئية، يعد ترشيد استهلاك الماء والطاقة إحدى أهم أدوات التكيف مع التغير المناخي. فالممارسات البسيطة التي يقوم بها الأفراد، مثل تقليل الهدر في المياه المنزلية أو استخدام الأجهزة الكهربائية الموفرة للطاقة، تُحدث فرقًا ملموسًا على مستوى المجتمع ككل. وإذا ما أُضيفت إليها جهود المؤسسات والشركات في تطبيق معايير الاستدامة، فإن النتائج سوف تصبح مضاعفة، سواءً في تقليل البصمة الكربونية أو في تعزيز كفاءة الموارد الطبيعية.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن المسؤولية المجتمعية في هذا المجال تساهم بشكل مباشر في تخفيف الأعباء على الدول والأسر. فالطاقة والمياه المستهلكة بلا وعي تؤدي إلى تكاليف باهظة، في حين أن اعتماد سياسات ترشيد الاستهلاك وإعادة التدوير والابتكار في الحلول المستدامة يساعد في تقليص النفقات، ويفتح الباب أمام فرص جديدة في مجالات الاقتصاد الأخضر، مثل الطاقة المتجددة وإدارة الموارد المائية الذكية.
كما يُعتبر القطاع الخاص شريكًا رئيسيًا في هذا المسار. فالمسؤولية المجتمعية للشركات لم تعد مقتصرة على التبرعات أو الحملات الرمزية، بل أصبحت تشمل تطوير استراتيجيات متكاملة لخفض استهلاك الطاقة والمياه في عملياتها الإنتاجية والخدمية، وتبنّي الابتكار التكنولوجي في مجالات مثل المباني الخضراء، والطاقة الشمسية، وإعادة استخدام المياه. هذه الجهود تضع الشركات في موقع الريادة، وتعزز ثقة المجتمع بها.
في النهاية، يتضح أن الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة يتطلب تضافر الجهود بين الأفراد و المؤسسات والجهات الحكومية. فكل قطرة ماء يمكن توفيرها، وكل وحدة كيلوواط ساعة يمكن ترشيدها، هي استثمار في مستقبل أفضل وأكثر استدامة لمتطلبات المجتمع الآن ولمستقبل الأجيال القادمة.
روانا محمد الدجاني، مساعد محلل، مركز “دراسات”