التاريخ: 2 أبريل 2020م
صدر عن مركز “دراسات” تقرير تحليلي بعنوان ” تداعيات أزمة الكورونا: أسواق النفط” للباحث عبد العزيز الدوسري. يتحدث التقرير عن مسار الأحداث التي سبقت تراجع أسعار النفط في ظل أزمة فيروس كورونا وإلغاء العمل باتفاقية أوبك+. فقد تسبب هذان الحدثان بصدمة لأسواق النفط، وتراجعت الأسعار بشكل كبير. يرصد التقرير تطور التباين السعودي-الروسي في وجهات النظر حول السياسة المثلى لأسواق النفط، في ظل استمرار نمو الإنتاج من قبل النفط الصخري، وكيف تطور هذا الخلاف حتى اجتماع مارس الأخير، والذي تم فيه إنهاء العمل باتفاقية أوبك+. يستعرض التقرير أيضاً التحركات الأمريكية في هذا السياق والأدوات المتاحة لدى الحكومة الأمريكية للتعامل مع هذه الأزمة.
1. المقدمة
حسب منظور الدول الخليجية، من أهم أضرار أزمة الكورونا هو أثرها السلبي على أسعار النفط. يحلل هذا التقرير طبيعة التداعيات بشكلٍ عام، مع الإشارة إلى أن استيعاب أثر أزمة الكورونا يستدعي استيعاب ملف اتفاقية أوبك+، الذي تطور بشكلٍ مستقلٍ وموازٍ عن أزمة الكورونا. ويقدم التقرير الاستنتاجات التالية:
- في الفترة التي سبقت أزمة الكورونا، مكّنت اتفاقية أوبك+ منتجي النفط الصخري من تعزيز إنتاجهم وحصتهم السوقية على حساب دول أوبك+.
- تسببت هذه التطورات في ظهور تباين روسيٍ-سعوديٍ في وجهات النظر حول أسواق النفط، قبل أزمة الكورونا، وأدى إلى توقف العمل باتفاقية أوبك+.
- سيكون أثر أزمة الكورونا على أسعار النفط حادٌ ومؤقت، ولكن تقديره صعبٌ جداً بسبب تعقّد الأزمة وانعدام اليقين حول سيرها.
2. الآثار السلبية لاتفاقية أوبك+
فتحت اتفاقية أوبك+ مجالاً لمنتجي النفط الصخري لتعزيز إنتاجهم وحصتهم السوقية.
منذ ثورة النفط الصخري، تواجه منظمة أوبك معضلةً مزمنةً حول كيفية التعامل مع فائض المعروض النفطي. يحتاج أعضاء منظمة أوبك إلى أسعار نفطٍ مرتفعةٍ لمعادلة الميزانيات الحكومية، ولتحقيق ذلك تحتاج أوبك إلى تخفيض إنتاجها والتنازل عن حصصها السوقية.
فالإقدام على تخفيض الإنتاج ورفع أسعار النفط على المدى القصير عادةً ما يتسبب في تشجيع منتجي النفط الصخري على مواصلة رفع الإنتاج، ما يؤدي إلى تراجع أسعار النفط على المدى المتوسط، وخسارة أوبك لحصصها السوقية التي سيستحوذ عليها النفط الصخري.
لم تقدم سنة 2019 لاتفاق أوبك+ ما كان مرجواً منها. فالنمو العالمي لاستهلاك النفط هذا العام كان أقل من التوقعات، ما أدى إلى عدم تحسن حالة فائض النفط في المخزونات التجارية. فالهدف المعلن لاتفاق أوبك+ منذ بدايته في 2017 كان لتحفيز تراجع ٍ في الأسعار في أسواق النفط، التي بدورها ستؤدي إلى السحب من فائض النفط في المخزونات التجارية.
أصدرت أوبك تقريراً يوضح رؤيتها لأسواق النفط على المدى الطويل. بيّن التقرير تقبّل أوبك لفكرة تراجع حصصها السوقية في مقابل ارتفاع الإنتاج من خارج المنظمة، وعلى رأسها شركات النفط الصخري الأمريكية.
توقّع التقرير أنه في ظل دعم أوبك لأسعار النفط من خلال اتفاقية أوبك+، بالإضافة إلى عوامل أخرى كتحسين كفاءة الاستهلاك ومصادر الطاقة البديلة والسيارات الكهربائية، فإن النفط الصخري الأمريكي سيستمر في النمو والاستحواذ على الحصص السوقية ليصل في عام 2024 عند مستوى انتاج 17 مليون برميل/يومياً مقارنةً بمستوى الإنتاج في عام 2019 عند 12 مليون برميل/يومياً. وفي المقابل يقدّر التقرير أن تتراجع حصص أوبك الإنتاجية من مستوى 35 مليون برميل/يومياً في عام 2019 إلى 32 مليون برميل/يومياً في عام 2024.
أكدت وكالة الطاقة الدولية توقعات أوبك حول تراجع دور المنظمة، وتضيف بأنه في ظل السياسات الحالية لمنظمة أوبك، من خلال اتفاقية أوبك+، فإن حصص روسيا السوقية أيضاً ستتراجع. وقالت المنظمة أن الولايات المتحدة ستتفوق على روسيا في إنتاج النفط والغاز معاً في حدود عام 2025.
3. بوادر تباين المواقف الروسية-السعودية حول إدارة أسواق النفط
تطوّر حجم تباين الآراء الروسي-السعودي حول أسواق النفط تدريجياً قبل أزمة الكورونا.
في نوفمبر 2019، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن وجود هدفٍ مشتركٍ بين أوبك وروسيا، وهو جعل أسواق النفط متوازنة وقابلة للتنبؤ. وكانت التوقعات حينئذٍ تشير إلى قبول روسيا لتمديد اتفاقية أوبك+ الحالية، مع عدم رغبتها في زيادة تخفيضات الإنتاج.
أعلنت أوبك في ديسمبر 2019 عن تمديد اتفاقية أوبك+ مع زيادة التخفيضات بنسبة 500 ألف برميل/يومياً. لم تتفاعل الأسواق بشكلٍ كبيرٍ مع الإعلان عن زيادة تخفيضات الإنتاج من قبل أوبك+، وذلك بسبب مخاوف الحرب التجارية بشكلٍ رئيسي، بالإضافة إلى عدم تأثير هذه التخفيضات المعلنة على وضع أسواق النفط، حيث نصّ الاتفاق على أن تتحمل السعودية الجزء الأكبر من هذه التخفيضات، وهي 400 ألف برميل من أصل 500 ألف برميل يومياً.
ومع دخول عام 2020، كانت روسيا قد حققت أكبر إنتاجٍ في تاريخها من النفط والمكثّفات في 2019 عند 11.25 مليون برميل/يومياً. على الرغم من خفض إنتاج النفط الخام بنسبة 240 ألف برميل/يومياً، استمر نمو إنتاج روسيا من المكثّفات، وهو نفطٌ خفيف مصاحب لإنتاج الغاز الطبيعي. لم تقدم روسيا بياناتٍ تفصيليةٍ حول كميات النفط الخام بالمقارنة مع المكثّفات، وقد لمّح وزير النفط الروسي أليكسندر نوفاك إلى إمكانية إنهاء اتفاقية أوبك+ دون إعطاء تفاصيل.
ومع بدء انتشار وباء فيروس كورونا في الصين خلال شهر فبراير، ظهرت معلومات عن نوايا أوبك لخفض الإنتاج بشكلٍ إضافي بنسبة 500 ألف برميل/يومياً. كانت ردة فعل المسؤولين الروس متفاوتة، حيث رحب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بفكرة التخفيضات الإضافية لأوبك+، بينما كان وزير الطاقة نوفاك متحفّظاً أكثر في تصريحاته.
في الأول من مارس 2020، صرّح الرئيس الروسي بوتين أن أسعار النفط الحالية مقبولةٌ لدى روسيا (كانت عند مستوى 50 دولار لبرميل برنت)، وأن جهود تخفيض الإنتاج غير مجدية في ظل الظروف الراهنة. هنا كانت المرة الأولى التي تظهر فيها بوادر عدم التوافق بين روسيا والمملكة العربية السعودية حول الرؤية المشتركة لأسواق النفط. توقّع بعض المحللين أن تتجه أوبك لتخفيض الإنتاج دون روسيا، بمعنى انتهاء العمل باتفاقية أوبك+.
زاد ذلك من ارتباك الأسواق، لأنه خلال السنوات الماضية لاتفاق أوبك+، اعتادت روسيا عدم إبداء موقفٍ واضحٍ من استمرار الاتفاقية إلا في اللحظات الأخيرة، وهذا ما فاجأ أسواق النفط عند فشل اجتماع أوبك في مارس 2020.
4. وصول اجتماع أوبك+ إلى طريقٍ مسدود وانتهاء الاتفاقية
أدى عدم التوافق الروسي-السعودي إلى انتهاء اتفاقية أوبك+ في نفس فترة أزمة الكورونا، وتراجعت أسعار النفط بشكلٍ حاد.
في أوائل مارس 2020، طالبت أوبك روسيا بالمشاركة في مساعي تخفيض الإنتاج ودعم الأسعار. تقدمت أوبك بمقترحٍ، هو الأعلى منذ الأزمة المالية العالمية 2008، لتخفيض الإنتاج بشكلٍ إضافي بمعدل 1.5 مليون برميل/يومياً ولغاية نهاية عام 2020. نصّ اتفاق أوبك+ بصيغته في حينها على تخفيض الإنتاج بنسبة 2.1 مليون برميل/يومياً. كانت الأجواء متشائمة في أروقة أوبك، حيث كانت الدول من خارج المنظمة ترغب في تخفيض الكميات فقط بنسبة نصف مليون برميل/يومياً.
كانت مطالبات تخفيض الإنتاج تنصّ على أن يكون نصيب روسيا من هذه التخفيضات الإضافية 300 ألف برميل/يومياً، لتصل مساهمة روسيا الكلية في اتفاقية أوبك+ إلى 600 ألف برميل/يومياً. تسبب إصرار الموقف السعودي من تخفيضات الإنتاج الروسية إلى وصول محادثات أوبك في 6 مارس إلى طريقٍ مسدود، وتراجعت أسعار النفط بشكلٍ كبير (الشكل 1).
الشكل 1: أسعار النفط خلال عام 2020
وقامت السعودية برفع الإنتاج وتخفيض الأسعار لتبدأ سباقاً لخفض الأسعار مع روسيا. تشير المصادر إلى أن تخفيضات الأسعار السعودية هي الأدنى منذ 2003، في إشارة إلى أن التخفيضات ليست مبررة كنتيجةٍ لتراجع الطلب والأوضاع الاقتصادية.
على سبيل المثال، خفضت السعودية من تسعيرة النفط المرتبطة بمعيار دبي/عمان من علاوة سعرية بمقدار 2.9$ إلى تخفيض بلغ 3.1$. وبالنسبة للشحنات الأوروبية، تراجعت أسعار النفط الخفيف 8$ لتصل إلى تخفيض قدره 10.25$ مقارنة بسعر معيار برنت. كذلك تم تخفيض شحنات الولايات المتحدة بواقع 7$، لتتحول تسعيرة النفط السعودي من زيادة إلى تخفيضات. بطبيعة الحال اضطُرت جميع الدول المصدرة للنفط إلى مسايرة تسعيرات النفط السعودي، وهذا بدوره زاد من تراجع الأسعار.
5. صعوبة تقدير أضرار فيروس كورونا على أسواق النفط
سيكون أثر أزمة الكورونا على أسعار النفط حاداً ومؤقتاً، ولكن تقديره بشكلٍ دقيق صعبٌ جداً بسبب تعقّد الأزمة وانعدام اليقين حول سيرها.
منذ أواخر 2019، كانت هناك بوادر لتباطؤ النمو الاقتصادي، وهو ما أكدته النبرة التشاؤمية لشركات النفط العالمية بسبب توقعاتها لتراجع التوزيعات النقدية للمساهمين، مثلما حدث مع شركتي شل (Shell) و بي بي (BP). في ذلك الوقت، كانت توترات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين هي العنوان الأبرز لتحريك الأسواق والتوقعات حول مسار الاقتصاد.
الآن، ومع مخاطر فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، أصبحت هناك متغيرات جديدة يجب أخذها في الاعتبار. يصعب التحديد المسبق لمدة ووتيرة حوادث انتشار الأوبئة، ما ينعكس على توقعات الآثار الاقتصادية لهذه الحوادث، التي تتأثر بنوعية الوباء، وفعالية الإجراءات المتبعة لاحتوائه، ونسب الوفيات وردود فعل المجتمع. تأثرت أسعار النفط بشكلٍ سريع لأن سيناريو مسار الأسعار لعام 2020 مختلفٌ كلياً عن المسار الحالي، الذي يأخذ في الاعتبار انتشار وباءٍ فيروسي وتعطيلٌ للنشاط الاقتصادي العالمي.
يعاني تجار النفط لتقدير شدة ومدى تأثّر الاستهلاك العالمي من تفشّي فيروس كورونا في الصين، بناءً على أدلّة من الأوبئة السابقة لفيروسات كورونا والإنفلونزا. كحال أي وباءٍ تنفسي، يأتي التأثير الأكبر على الاقتصاد واستهلاك النفط من تدابير الاحتواء، مثل الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي.
كان من المتوقع أن تقوم الحكومة ببعض الإجراءات للتعامل مع حالة طوارئ الصحة العامة، وأن تقوم الشركات بنفس الإجراءات، لكن بشكلٍ طوعي، للحد من التعرّض للمرض. لم يكن مفاجئاً أن يكون لتدابير التباعد الاجتماعي تأثيرٌ سلبيٌ كبير على كلٍّ من إنفاق المستهلكين والقطاع الخاص، وكذلك على إنتاج التصنيع، وتوفير الخدمات وشبكات النقل.
وفي مسارٍ مواز ٍ لمسار انتشار الوباء، يميل التأثير الاقتصادي إلى أن يكون حاداً وليس دائماً، ومركّزاً على مدى بضعة أسابيع أو أشهر. من المتوقع أن تنخفض الحاجة إلى إجراءات الحجر الصحي القصوى وإجراءات التباعد الاجتماعي، وأن يعود النشاط الاقتصادي إلى مستواه الطبيعي، وذلك بعدما تمضي مرحلة التفشي والعدوى القصوى.
ومع تلاشي الوباء، سيتضاءل القلق بشأن المخاطر الصحية في نهاية المطاف، بسبب بروز الضغوطات لاستئناف الأنشطة التجارية من جديد. ستضطر كذلك الشركات والموظفون وشركات النقل والمدارس إلى استئناف النشاط شبه الطبيعي من أجل كسب الإيرادات، والحصول على أموال، واجتياز الامتحانات. من المحتمل أن يكون هناك بعض التأثير المتبقي على النشاط الاقتصادي واستهلاك النفط حتى تستوعب الشركات والأسر خسارة الإيرادات والدخل من الربع الأول لعام 2020، ولكن هذا التأثير سيتلاشى مع مرور الوقت.
تسببت أزمة فيروس كورونا في إرباك حركة نقل النفط. حيث اضطرت الكثير من الشحنات المتوجهة إلى الصين إلى تغيير مسارها إلى وجهاتٍ أخرى. فقد تراجعت عمليات مصافي تكرير النفط خلال الأسبوعين الأولين من شهر فبراير بمعدل 1.5 مليون برميل/يومياً. أدى ذلك إلى عدم تمكّن العديد من الناقلات الضخمة (سعة 2 مليون برميل) من إفراغ حمولتها في الموانئ الصينية، بينما تم تحويل الشحنات الأخرى إلى كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة. ومع تراجع نشاط التكرير، ارتفعت المخزونات النفطية الصينية بشكلٍ كبيرٍ وسريعٍ أيضاً. تقدّر بعض الجهات امتلاك الصين لمنشآت لتخزين النفط بسعةٍ تفوق المليار برميل، وفي الوقت الحالي بلغت مخزونات النفط في الصين 760 مليون برميل.
يتحدث مسؤولون روس عن عدم جدوى تخفيض الإنتاج في الوقت الحالي، بسبب غموض حال الطلب على النفط واستمرار تراجعه مدفوعاً بالآثار السلبية لفيروس كورونا، وطالبوا بتمديد اتفاقية أوبك+ الحالية لثلاثة أشهرٍ إضافية لتقييم الأثر الحقيقي لفيروس كورونا على طلب النفط. ويتوقع الروس أن تبدأ آثار تراجع الأسعار على منتجي النفط أصحاب التكلفة العالية، في إشارة إلى النفط الصخري الأمريكي، خلال 4-6 شهورٍ القادمة.
في فبراير 2020، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يتراجع الطلب على النفط في الربع الأول 2020، ليصل إلى 1.3 مليون برميل/يومياً، مع تراجعٍ كليٍّ للطلب على النفط لعام 2020 بنحو نصف مليون برميل يومياً، وذلك في أول تراجعٍ للطلب على النفط منذ الأزمة المالية العالمية 2008.
أما الآن، ومع انتشار فيروس كورونا في أغلب دول العالم، تحولت التوقعات إلى السلبية الشديدة حول الطلب العالمي على النفط في ظل هذه الأزمة. تتراوح آخر التوقعات لتراجع الطلب خلال الربع الأول 2020 ما بين 4 إلى 10 ملايين برميل/يومياً. تأتي هذه التوقعات في ظل الإجراءات الحكومية للحد من انتشار فيروس كورونا عن طريق تقييد حركة الأفراد بشتى أنواعها، والتي بدورها انعكست على حركة المواصلات والأنشطة التجارية والصناعية. وبالنسبة لعام 2020 عموماً، تتراوح التوقعات لتراجع الطلب على النفط ما بين مليون إلى 3 ملايين برميل/يومياً.
6. ردود الأفعال الأمريكية حول هذه التطورات
سيكون لأسعار النفط المتراجعة ضررٌ كبيرٌ على قطاع النفط الصخري الأمريكي، إلا أن الأدوات المتاحة لدى الحكومة الأمريكية محدودة في سبيل إقناع السعودية بتغيير مسار الأسعار الحالي.
شكّل تراجع أسعار النفط الذي رافق الأضرار الاقتصادية لفيروس كورونا صدمة كبيرة للبورصات الأمريكية. بدايةً كان تعليق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تويتر بأن هذه الأسعار جيدة للمستهلكين (9 مارس 2020)، لكنه عزا السبب إلى سباق تخفيض الأسعار بين السعودية وروسيا، بالإضافة إلى ما أسماها (بالأخبار الكاذبة) لتسببها في تراجع البورصات الأمريكية في حينها، متجاهلاً بذلك تأثيرات فيروس كورونا والقلق العالمي من تداعياته. في نفس الوقت، كانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أصدرت بياناً تتهم فيه لاعبين دوليين بالتلاعب والتسبب في صدمات لأسواق النفط.
في هذه الأثناء بدأت تحركات للكونغرس من قبل أعضاء جمهوريين لمجلس الشيوخ، أبرزهم النائب عن ولاية داكوتا الشمالية كيفن كريمر. قام النواب بخطوات عديدة بهدف تخفيف أضرار سباق خفض أسعار النفط بين السعودية وروسيا. ففي 18 مارس، أرسل كريمر رسالة للرئيس الأمريكي يطالبه فيها بحظر واردات النفط من السعودية وروسيا وبقية أعضاء أوبك إلى الولايات المتحدة، وفي اليوم نفسه، أجرى بعض هؤلاء النواب اتصالاً هاتفياً مع سفيرة السعودية في واشنطن وأبدو رغبتهم في عدول السعودية عن سياستها النفطية الحالية.
في 20 مارس، تم الإعلان عن إرسال موفد خاص أمريكي تابع لوزارة الطاقة إلى السعودية. ومن المتوقع أن تستمر إقامة الموفد الخاص لعدة أشهر، من خلال العمل مع مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية في الرياض. رافق هذا الإعلان حديث من قبل أحد المسؤولين في ولاية تكساس، رايان سيتون، أعرب عن أمله في أن يقوم الرئيس الأمريكي ترامب بالتنسيق لخفض الإنتاج مع كلٍّ من السعودية وروسيا وولاية تكساس، وهذا الأمر – تخفيض الإنتاج لولاية تكساس – يُعد الأول من نوعه منذ 50 عاماً.
يعتقد سيتون بأن تنفيذ تخفيض الإنتاج لولاية تكساس سيكون سهلاً، نظراً لوجود الآليات التشريعية لدى الولاية للقيام بذلك. لاقى كلام المسؤول من تكساس استحسان أوبك، حيث تلقّى دعوةً من أمين عام المنظمة محمد باركيندو لحضور اجتماع أوبك في شهر يونيو القادم.
إلا أن قطاع الطاقة الأمريكي غير راض ٍعن تحركات سيتون، حيث أعرب مسؤولون من معهد البترول الأمريكي عن رفضهم لفكرة تقييد الإنتاج. فقد اقترح سيتون في مقال ٍ له على موقع بلومبيرغ أن تساهم ولاية تكساس بتخفيض إنتاجها بنسبة 10%، في حال خفضت كل من السعودية وروسيا نفس النسبة لمستوى إنتاجهما قبل حرب أسعار النفط. والهدف من هذه الجهود ليس معادلة أسواق النفط بالكليّة، ولكن المساهمة في تخفيف فائض المعروض. وطالب سيتون في مقاله أن يساهم الرئيس الأمريكي في التفاوض مع كل ٍ من السعودية وروسيا حول هذا المقترح.
في 24 مارس، عيّن الرئيس الأمريكي فيكتوريا كوتس كمبعوثٍ خاص للطاقة في المملكة العربية السعودية. في اليوم التالي أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن اتصال ٍ هاتفي جمع وزير الخارجية مايك بومبيو مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حيث ركزت المكالمة على استقرار أسواق النفط ودور السعودية في مجموعة الدول العشرين الكبرى (G20)، كإحدى أهم الدول لاستقرار أسواق الطاقة العالمية. تأتي هذه المكالمة في سياق المحاولات الأمريكية لإقناع السعودية بالعدول عن سياستها النفطية الحالية. يعتقد بأن المحاولات الأمريكية تهدف بشكل ٍ مبدئي إلى إقناع السعودية بالتراجع عن ضخ كمياتٍ إضافية من النفط خلال شهر أبريل المقبل، كما أعلنت سابقاً.
استمرت مطالب أعضاء مجلس الشيوخ، ومن بينهم كيفن كريمر، في رسالة إلى وزير الخارجية بومبيو بأخذ موقف أكثر حزماً مما أسموه حرباً اقتصادية من قبل السعودية وروسيا ضد الولايات المتحدة. في هذه الرسالة عرض أعضاء مجلس الشيوخ أن تتخلى السعودية عن أوبك بالكلية، وأن تبتعد عن الاستثمار في قطاع الطاقة الروسي، وأن تساهم بالمقابل مع الولايات المتحدة في مشاريع مشتركة للطاقة.
استمر ضغط أعضاء المجلس الشيوخ، وتقدم السيناتور كريمر بمشروع قانون في الكونغرس (S.3572) ينص على سحب القوات وجميع المعدات العسكرية الأمريكية من السعودية خلال 90 يوم من إقراره، في محاولة لتشديد الضغط على السعودية لتتراجع عن سياستها النفطية الحالية.
أما فيما يتعلق بالأدوات المتاحة حالياً لدى الحكومة الأمريكية للتعامل مع تراجع أسعار النفط، فقد نشرت خدمة أبحاث الكونغرس تقريراً يوضح السياسات المتاحة بيد الكونغرس لحماية قطاع النفط في ظل الظروف الحالية. تتلخص في التالي: (1) شراء إنتاج النفط من خلال المخزون الاستراتيجي، بالإضافة إلى تمكين شركات النفط من دفع الضرائب المستحقة بالنفط (Royalty-in-Kind). (2) توفير قروض ٍ أو ضماناتٍ للقروض بقيمة تصل إلى 500 مليون دولار، من خلال قانون ٍ صادر ٍ سنة 1999 (H.R.1664)، ينصّ على دعم شركات إنتاج النفط والقطاعات الداعمة لها في ظروف كهذه. (3) فرض رسوم ٍ جمركية وقيودٍ على واردات النفط من أوبك وروسيا وغيرها. (4) فرض عقوباتٍ تحت بند مكافحة الإغراق، مع عدم اليقين حول جدوى هذا المسار.
اختُتِم التقرير بالاستنتاج بأنه سيصعب على هذه الأدوات الفيدرالية المتاحة أن تصحّح أوضاع الأسواق المتدهورة بسبب فيروس كورونا، وأثره على تدمير الطلب على الطاقة بشتّى أنواعها، وأنه لا حل لأسواق النفط إلا بتظافر جميع العوامل المؤثرة في الأسواق، بدءاً من تعافي الطلب ووصولاً إلى عودة مستويات الإنتاج لما قبل سباق الأسعار. ومع هذا كله، ستستمر حالةٌ من عدم اليقين حول موعد تعافي الأسواق.