• 0097317754757
  • info@derasat.org.bh

قراءة في كلمة مملكة البحرين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

الرئيسية / الدراسات الاستراتيجية والدولية / قراءة في كلمة مملكة البحرين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

ألقى سعادة الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، وزير الخارجية، كلمة مملكة البحرين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، حيث عُقِدَت هذه الدورة على وقع أحداث وتغيرات متسارعة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وعلى بُعد3 أشهر على بدء العضوية غير الدائمة للمملكة في مجلس الأمن الدولي. وبالنظر إلى مضامين هذه الكلمة، يمكن القول بأنها جاءت متّسقة مع النهج الرصين الذي درجت عليه المملكة بتضمينها تصريحًا بمواقفها تجاه أبرز القضايا، وإيجازًا لما حققته على الصعيد التنموي، وذلك من خلال التركيز على أربعة محاور تتعلق بالالتزام بالحلول السلمية للنزاعات، وبتعزيز ثقافة السلام والتسامح والحوار بين الأديان، وبرؤية المملكة نحو تعزيز شراكاتها الاستراتيجية من أجل الأمن والسلام والازدهار، وبالتزامها بتعزيز التعاون الدولي من أجل التنمية المستدامة والتضامن الإنساني. كما تضمنت تعبيرًا عن تطلع المملكة لإصلاح منظومة الأمم المتحدة عبر جملة من المسارات المتمثلة بتحسين فاعليتها وشفافيتها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتمثيل الدول النامية في صنع القرار.

وجاءت الكلمة في مستهلّها مبرزةً لقناعةٍ راسخة بأن التمسك بالشرعية الدولية والاحتكام إليها، متمثلةً في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، هو السبيل الوحيد لبلورة واقع دولي متوازن وبعيد عن الصراعات، حيث تقاطعت هذه القناعة مع ثقة دولية واسعة بالسياسة الخارجية المتزنة لمملكة البحرين، وهو الأمر الذي تجلى بحصولها على 99.5% من أصوات الدول الأعضاء لنيل العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن خلال السنتين المقبلتين، ليمثل ذلك استكمالًا لحراك دبلوماسي نشط تقوده وتشارك من خلاله المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وفيما يتعلق برؤية المملكة للواقع الإقليمي، فقد جرى التركيز على 3 جزئيات رئيسية؛ تمثلت الأولى بتجديد الموقف الثابت بضرورة الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وذلك انطلاقًا من الإيمان بمركزية القضية الفلسطينية في استقرار الشرق الأوسط. أما الثانية، فتمثلت في التأكيد على ضرورة معالجة الأزمات الإقليمية، لا سيّما في ظل ما يواجه مفهومي الدولة والسيادة الوطنيتين من تحديات في مناطق مختلفة من المنطقة. وتمثلت الثالثة في تجديد موقف مملكة البحرين الداعم لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، استناداً إلى قرار مؤتمر المراجعة لعام 1995م.

وانطلاقًا من الدور الريادي لمملكة البحرين في تعزيز قيم التسامح ومكافحة خطاب الكراهية، فقد أفردت كلمة المملكة أمام الجمعية العامة محورًا خاصًا للإشارة إلى أهمية “إعلان مملكة البحرين” بشأن حرية الدين والمعتقد، وما واكبه من خطوات تنفيذية قادتها المملكة باقتدار من خلال مركز الملك حمد العالمي للتعايش والتسامح، وذلك إعلاءً لصوت الاعتدال وترسيخًا لقيم التسامح والعيش المشترك.

وفيما يتعلق بمنظور المملكة نحو بناء الشراكات الدولية، فقد تطرّقت الكلمة إلى الإنجازات المشهودة التي حققتها المملكة بالتعاون مع شركائها الدوليين، وذلك بالتوقيع على الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار (C-SIPA) مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، والتي مثلت إطارًا جاذبًا للعمل متعدد الأطراف، بما يعكس رؤية طموحة لخلق أُطُرٍ مؤسسية ومستدامة للعمل المشترك تنعكس على الصالح العام، وتعزز من التعاون البنّاء وتبادل الخبرات في المجالات الحيوية المتعلقة بالأمن والاقتصاد والتكنولوجيا.

ووصولًا إلى المحور التنموي، فقد جاءت كلمة المملكة شارحةً لإنجازاتٍ نوعية قادتها مؤسساتها الوطنية محليًا ودوليًا، لتعكس بذلك ضرورة الاهتمام بتعزيز الجبهة الداخلية بما يحفظ سيادة القانون والمؤسسات الدستورية، ويُثري منظومة العيش المشترك، ويعزّز من سُبُل تمكين المرأة، ويُسهم في بناء القدرات الوطنية للمملكة في مجالات حيوية، مثل التحوّل الرقمي والأمن السيبراني، والاستثمار في الطاقة النظيفة والتقنيات الخضراء، وذلك دون إغفال الجانب الإغاثي الذي قدمت فيه المملكة إسهاماتٍ جليلة، بتقديمها يد العون للدول التي تعاني من النزاعات والصراعات والكوارث الطبيعية.

في المحصّلة، عكست كلمة المملكة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رؤيةً طموحة بوجود أُفُقٍ للعمل المشترك بين كافة دول العالم، من خلال الامتثال للشرعية والقانون الدوليين، وتعزيز قيم التعايش والتسامح، وبناء الشراكات الوثيقة عبر الانخراط في التكتلات الفاعلة على الساحتين الاقليمية والدولية، كما أبرزت في سياقٍ مُوازٍ خطواتٍ دؤوبة تقودها المملكة داخليًا على الصعيد التنموي، بما يعزّز من مكانتها الدولية ويخلق ازدهارًا مستدامًا.

عبد الرحمان إبراهيم الفزيع، محلل أول