كلمة جلالة الملك إلى القمة العربية الإسلامية الطارئة: رسالة تضامن لدولة قطر ورؤية سامية للأمن الإقليمي
وجه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، كلمة إلى القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عُقدت في العاصمة القطرية الدوحة في 15 سبتمبر 2025م، ألقاها نيابةً عن جلالته سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة، الممثل الشخصي لجلالة الملك المعظم، وقد تضمنت ثلاثة أبعاد مهمة؛ أولها: التأكيد على دعم دولة قطر الشقيقة، وإدانة ذلك الاعتداء الذي ينتهك سيادة الدولة ويقوض جهود السلام ويهدد الأمن الإقليمي؛ وثانيها: إعادة التأكيد على موقف مملكة البحرين الثابت تجاه القضية الفلسطينية، والداعي إلى الوقف الفوري للحرب وحماية المدنيين، وسرعة إدخال المساعدات ودعم كافة جهود إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؛ وثالثها: التأكيد على التمسك بالسلام، والإعلاء من قيم التسامح والتعايش والإخاء، كنهج ثابت للحاضر والمستقبل.
إن تلك الكلمة السامية قد عكست رؤية مملكة البحرين لأمن الخليج العربي ، فمملكة البحرين كانت – وستظل – داعماً أساسياً لأمن واستقرار أشقائها من دول الخليج العربي، من خلال عطاء تجلّى في محن الأشقاء، وفي كافة التهديدات التي واجهتها دول الخليج العربي، انطلاقاً من وحدة الهدف والمصير. وقد شهدت مملكة البحرين توقيع اتفاقية الدفاع المشترك في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية “قمة المنامة” في 31 ديسمبر 2000، والتي تضمنت تأسيس عدة آليات للتعاون العسكري الخليجي المشترك، من بينها مجلس الدفاع المشترك واللجنة العسكرية العليا. تضمنت تلك الاتفاقية اثني عشر مادة، من بينها المادة الثانية التي نصّت على أنه: “تعتبر الدول الأعضاء أن أي اعتداء على أيٍّ منها هو اعتداء عليها كلها، وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعاً”، بما يماثل المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وتعكس حقيقة مفادها أن أمن الخليج العربي كلٌّ لا يتجزأ، وهو ما ترجمته سياسات المملكة تجاه دول الخليج العربي الشقيقة، منذ تأسيس مجلس التعاون في عام 1981م وإلى الآن.
ومن أمن الخليج العربي إلى الأمن الإقليمي، حيث لدى مملكة البحرين قناعة مؤداها أن منطقة الخليج العربي هي جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الإقليمي الأوسع، وبقدر استقرار هذه المنظومة يتحقق أمن واستقرار دول الخليج العربي، التي تحرص على بذل ودعم كافة الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن الإقليمي. ومع تعدد تهديدات هذا الأمن، فقد جاءت الكلمة السامية الأخيرة واضحة في التأكيد على أن: “القضية الفلسطينية ستظل محوريةً في حل الصراع في الشرق الأوسط”، بما يعني أن إيجاد حل عادل وشامل لهذه القضية وفقاً للقرارات الدولية هو أبرز الأولويات لدى مملكة البحرين ودول الخليج العربي، التي حرصت على دعم كافة الجهود الرامية إلى حل هذه القضية، سواءً من خلال رئاسة مملكة البحرين للقمة العربية الثالثة والثلاثين في مايو 2024م – والتي وصفت بكونها قمة نوعية، سواءً من خلال المشاركة أو البيان الختامي الذي تضمن مبادرات بحرينية لافتة – أو عبر جهود دول الخليج العربي ضمن الوساطة لحل هذه القضية، وصولاً إلى سعي دول الخليج العربي إلى حشد الدعم الدولي لحل الدولتين، وهو ما تضمنته الكلمة السامية بالقول: “ترحب مملكة البحرين باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان نيويورك لحل القضية الفلسطينية سلمياً وتنفيذ حل الدولتين”.
ومع أهمية مضامين الكلمة السامية من معاني التضامن مع دولة قطر الشقيقة، فضلاً عن أهمية إيجاد حلول شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، فإن تأكيد الكلمة السامية على “نهج التسامح والتعايش كنهج أساسي وثابت لمستقبل الأجيال القادمة” يؤكد مجدداً على أنه لا سبيل لشعوب المنطقة سوى العيش المشترك ونبذ العنف، وانتهاج الحوار سبيلاً والرخاء المشترك هدفاً، بعيداً عن النزعات الآيديولوجية التي عانت منها المنطقة طويلاً وكانت سبباً في صراعات محتدمة. وعودٌ على بدء، تؤكد المواقف الخليجية في الأزمات أن التضامن الخليجي يقدم نموذجاً يحتذى به لدول لا يربط بينها الجوار الجغرافي فحسب، بل سمات مشتركة تاريخية واقتصادية، وسياسية واجتماعية، أكدت جميعها على أن الخليج العربي جسدٌ واحد.
د. أشرف محمد كشك ، مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية