التاريخ: 25 يونيو 2020

نظّم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة “دراسات” اليوم، أحدث حواراته الفكرية عن بُعد، حول تحديات أزمة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد 19) لدول مجلس التعاون الخليجي، وبحث الآليات التي انتهجتها دول الخليج للتعامل مع هذه الأزمة ، والدروس المستفادة منها، سواءً على الصعيد الصحي أو خلال أزمات مماثلة.

شارك في الحوار كلٌ من سعادة الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، رئيس مجلس أمناء مركز “دراسات”، ومعالي الدكتور عبدالعزيز بن حمد العويشق، الأمين العام المساعد لمجلس التعاون للشؤون السياسية والمفاوضات، وسعادة الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيس مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي، وسعادة السيد أسامة بن عبدالله العبسي، الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل. أدار الحوار الدكتور أشرف كشك، مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز “دراسات”.

وفي مستهل الحوار، رحب الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، بالمتحدثين والمشاركين، مؤكداً أهمية هذه الفرصة في تناول وتحليل المحاور الخاصة بتداعيات هذا الوباء العالمي، بهدف الوقوف على تأثيراته ومتطلباته الآنية والمستقبلية، متمنياً للمتحدثين التوفيق في إثراء النقاش. بعد ذلك قام الدكتور أشرف كشك، بعرضٍ موجز لبدء وتطور انتشار جائحة كورونا منذ أواخر العام الماضي، ومستويات وأطوار الاستجابة الفردية والجماعية على مستوى الدول والمنظمات المعنية حول العالم، بدءاً من رصد الفيروس في تطوره كوباءٍ محلي ثم إقليمي، وصولاً لتصنيفه جائحة عالمية.

بعد ذلك تحدث الدكتور عبدالعزيز العويشق، عما أنتجته جائحة كورونا من أزمات وتحديات على مختلف الأصعدة والمستويات في آنٍ واحد. مبينا أن العدوى في دول الخليج انتقلت عبر المسافرين إلى إيران، ومنهم المسافرين خفيةً، وزاد من تردّي الوضع غياب العلاقات والتنسيق مع إيران، وتكتّمها على فداحة انتشار العدوى على أراضيها، وفشلها في علاج المرضى. كما أشار إلى أزمة تأثر خطوط الإنتاج وسلاسل التوريد، نظراً لما تشكله الصين من ثقلٍ كبير في هذا الجانب عالميا، وساءت الظروف بشكلٍ متزايد لظهور الجائحة بالتزامن مع ركودٍ اقتصادي وتوترات سياسية وتجارية بين الولايات المتحدة والصين. كما نوه الدكتور العويشق إلى تأثر اقتصادات دول الخليج، القائمة على تصدير الطاقة والمواد الخام، بسبب التوقف المؤقت للطلب عليها من قبل اقتصادات الدول الصناعية كالصين وغيرها. ويضاف للإشكاليات المتزامنة مع الجائحة عدم التزام روسيا باتفاق “أوبك +” وسعي المملكة العربية السعودية ودول الخليج لزيادة إنتاجها للحفاظ على حصصها السوقية، مما فاقم تراجع الأسعار، تزامناً مع دخول التدابير الصحية الاحترازية حيّز التطبيق، وعلى رأسها الإغلاق الاقتصادي والتباعد الاجتماعي.

وبيّن الدكتور عبدالعزيز العويشق أن هناك أكثر من 30 لجنة وزارية مشتركة بين دول مجلس التعاون عقدت سلسلة اجتماعات في الفترة الأخيرة، أغلبها لوزراء الصحة، عن طريق المكتب التنفيذي في الرياض، تحدد في ضوئها الشراء الموحد للأدوية والمستلزمات الطبية، في خضم تصاعد الطلب العالمي على أجهزة التنفس والأقنعة وأدوات الوقاية، وحدث تعاون بين دول المجلس وعدة دول من بينها الصين، ثم قامت بإحالة الفائض من هذه المستلزمات والأجهزة إلى دولٍ أخرى في آسيا وأفريقيا. كما أنشأ وزراء صحة دول مجلس التعاون غرفة عمليات مشتركة لرصد الإحصاءات المختلفة وأنماط التفشّي والعلاج وأفضل الممارسات، لتُعمّم على الدول الأعضاء.

تابع قائلا: شهد الوضع تواصلاً حثيثاً بين وزراء صحة دول التعاون ومنظمة الصحة العالمية، لمكافحة الوباء. إلى جانب اجتماعات وزراء المالية للنظر في التداعيات المالية على الموازنات الحكومية لدول المجلس، تفعيلاً لآليات التكامل الاقتصادي للحد من الضغط على الإنفاق مع انخفاض الإيرادات، ومناقشة جدوى وخيارات الاستدانة أو تسييل الأصول من عدمها. وتزامن مع ذلك اجتماع محافظي المصارف المركزية في دول التعاون، لإدارة السيولة وتنظيم الاحتياطات النقدية، ومنع المضاربات على العملات الوطنية، وتوفير السيولة للمصارف المحلية لتفعيل السياسات التحفيزية التي أقرتها الحكومات، دون زيادة التضخم أو الضغط على أسعار الفائدة. بالإضافة إلى ذلك، عمل وزراء التجارة في دول المجلس على تخفيف الضغوط عن خطوط الإمداد وضمان وفرة السلع، خاصةً الغذائية والصحية، أو إيجاد بدائل، كما ناقشوا تحويل بعض خطوط الإنتاج لتقوم بتصنيع المستلزمات الطبية محلياً مثل الأقنعة وغيرها. أما وزراء العمل في دول المجلس فقد ناقشوا الطرق المثلى للتعامل مع العمالة الأجنبية التي حدثت معظم الإصابات في أوساطها، وصار توفير الرعاية الصحية لها من باب الحفاظ على الصحة العامة، والنظر في التعامل الأمثل لمراعاة من انتهت إقامتهم ضمن هذه الفئة. كما اجتمع رؤساء هيئات الأسواق المالية، لمناقشة أولويات هذا المجال. وكانت نتيجة كل تلك الجهود عدم وجود نقص في الأغذية، وتم التغلّب على النقص المبدئي في المستلزمات الصحية، وبشكلٍ عام أدى التعاون بين وزراء مختلف القطاعات في دول المجلس إلى تخفيف وطأة الأزمة.

من جانبها، وصفت الدكتورة ابتسام الكتبي، الأزمة بأنها “كاشفة تحتاج إلى صدق المكاشفة”، نظراً لكونها أزمة مزدوجة شهدت هبوط أسعار النفط، وانتشار الجائحة عالمياً، وانعكست استجابة كل دولة من دول الخليج على متانة وضعها من حيث الاستعداد الطبي، والأمن الغذائي، والملاءة المالية المتوفرة. وذكرت بأنه رغم الاجتماعات المنعقدة عن بُعد بين السلطات المعنية في دول الخليج، إلا أن كل دولة عملت على حدة لمواجهة الجائحة، وأضافت بأن الدول التي عملت على تنويع مصادر الدخل خارج نطاق النفط شهدت تأثرًا أيضاً. كما شكل موضوع العمالة تحدياً آخر، نظراً لقلّة الوعي في أوساطهم وتشكيلهم لضغوط صحية هائلة على إمكانيات الدول المستضيفة، وعلقت على مواجهة هذا الوضع، قائلة: “أن نفكر بشكل استراتيجي ونتعامل بشكل تكتيكي”.

وذكرت الدكتورة ابتسام الكتبي، بأن الجائحة شكّلت اختباراً للدولة الريعية، التي خلقت منظومات ثقافية مثل التباين بين العمل والمكافأة، والأمراض الاجتماعية مثل التواكل، وأخذ حقوق المواطنة دون تقديم مقابل، كما أدت الأزمة بالناس إلى مواجهة ظروفهم والإغلاق الذي شهدته دولهم. وأضافت: إن دول الخليج نجحت في الإدارة الإعلامية لمستجدات الأزمة ومتطلبات مواجهتها، والتوعية بإجراءات الحظر ومتطلبات السلامة، والتباعد الاجتماعي ومراحل الإغلاق، ومكافحة الإشاعات المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مبينة أن وسائل الإعلام والنخب الوطنية، وشركات الاتصال الحكومية، قامت بأداء دور قوي مساند للاستجابة والوقاية. وأوضحت أن الأزمة شهدت توظيف دولة الإمارات العربية المتحدة، لبنيتها التحتية الرقمية المتقدمة، نحو مزيد من الرقمنة في القطاعين الصحي والتعليمي، ولجأت إلى الإغلاق والحظر والفتح بشكلٍ جزئي، مع استخدام الروبوتات والمعدات الحديثة والطائرات المسيّرة، لضمان الالتزام بتطبيق اشتراطات الصحة العامة. كما توسّعت الإمارات في إرسال المساعدات الطبية لعشرات الدول وتفعيل القوة الناعمة ودبلوماسية المساعدات الإنسانية. إضافةً لذلك، أجرت الإمارات أكثر اختبارات المسح مقارنة بعدد السكان – بلغت الثلث – وطبقت العلاج المبتكر بالخلايا الجذعية. وأشادت بتجربة مملكة البحرين الممتدة في بناء وتطوير البنية التحتية الصحية المتميزة، واقتطاعها لمبالغ نسبية من الدخل من أجل الصحة العامة، ما مكنها من التعامل مع الجائحة.

بدوره، تناول السيد أسامة العبسي تجربة مملكة البحرين في تنظيم أوضاع العمالة الأجنبية، باعتبارها دولة متوسطة من حيث تعداد أفراد هذه العمالة، وقال: إن “الطبيعة البشرية تبحث عمن تلومه في الأزمات”، مستدلاً على ذلك بأمثلة لظاهرة توجيه اللوم، للصين والمسافرين والعمالة الوافدة، ثم انحسار تلك الظاهرة. وذكر أن دول مجلس التعاون، فتحت أبواب توظيف العمالة الوافدة بالتزامن مع تسارع النمو الاقتصادي، ولم يكن من السهل حساب الضغوط التي تشكلها هذه الفئة على القطاعين الصحي والأمني، دون النظر إلى تكلفتها عليهما. وأضاف: إن القرار اتُّخذ مسبقاً في مملكة البحرين – بعد تعذّر دول هذه العمالة عن استقبالهم – انطلاقاً من توقّع عدم القدرة على ترحيل العمالة الوافدة أو استيعاب اقتصاد المرحلة لهم، والتعامل مع المكوّن الوافد كأمر واقع، وأن الجائحة ستمر بإذن الله تعالى، وستعود الحاجة الاقتصادية للعمالة، وبالتالي تم إصدار عفو عام لطمأنة العمال على أوضاعهم وأنهم غير مطاردين، ولتشجيعهم على المبادرة بالتقدم للفحص الطبي في حال أصيبوا بالأعراض لتلقّي العلاج. موضحا أن هذه الآلية تسببت في انخفاض عدد المخالفين ضمن العمالة بمقدار حوالي 25 في المائة. كذلك يضاف إلى المسألة أنه ليس في تاريخ الخبرات المتوافرة ما يؤهلها للتعامل مع حدثٍ بهذا الحجم، فظهرت اجتهادات وطنية وإقليمية في هذا الشأن، تصلح للاطلاع المشترك. وخلص إلى أن التعاون مع التركيبة السكانية والاعتماد الاقتصادي سيكون الشغل الشاغل بعد زوال الجائحة، ويتوجب تناول الحل من حيث “لا ضرر ولا ضرار” والمصلحة الاقتصادية.

وتحدث السيد أسامة العبسي عن نقاط قوة أتيحت لمملكة البحرين في التصدي للجائحة، منها تولي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، قيادة خلية الأزمة، وبالتالي ثقة المواطن في تواجد ممثل لرأس السلطة في رأس هرم التصدي للأزمة، كما تم تفعيل قرارات اقتصادية وتجارية وصحية مسبقة، بجانب آليات كصندوق التأمين ضد التعطل الذي تأسس منذ عشر سنوات، وأسهم في الحفاظ على وظائف المواطنين في القطاع الخاص دون الحاجة لإرهاق الميزانية العامة للدولة أو السحب من استثماراتها الاستراتيجية. وأضاف: إن مملكة البحرين سعت للوصول إلى معظم المواطنين والمقيمين من أجل الفحص، واستطاعت فحص قرابة ثلث السكان، بهدف عزل الحالات ومعالجتها قبل ظهور الأعراض، ما أسفر عن نسبة وفيات متدنية بلغت حوالي 0.3%، نظراً لكون الأرقام تعكس المعرفة المسبقة بالحالات وليس انتشارها.  مبينا أن مملكة البحرين استفادت من قرب المسافات في سرعة الوصول إلى الحالات المصابة ورعايتها، رغم مواجهتها لنفس التحديات التي واجهتها سائر دول مجلس التعاون. كما أطلقت مبادرة محلية لتصنيع أجهزة التنفس والأقنعة، منها نجاح فريق هندسي من حلبة البحرين الدولية لسباقات السيارات في تصميم وصناعة جهاز تنفسي، بالإضافة إلى كفاءة وطنية وروح تطوعية لمواجهة الأزمة.

شهد الحوار مناقشة خيارات المضي قدماً في الدروس المستفادة والاستعداد المستقبلي للأزمات المماثلة. جدير بالذكر أن مركز “دراسات” يتيح للراغبين إمكانية مشاهدة النقاش، عبر قناة اليوتيوب الخاصة بالمركز.

التغطية الإعلامية