إصلاح أنظمة التعليم الأساسي والثانوي في أي جزء من العالم عادةً ما يتطلب ما لا يقل عن عشر سنوات حتى تبدأ النتائج في الظهور. لكن دمج الذكاء الاصطناعي يفتح آفاق تسريع هذه الإصلاحات وضغط دورة تمتد لعشر أو عشرين سنة إلى خمس سنوات أو أقل. ومن ثم، قد يكون استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين أنظمتهم التعليمية هو المساهمة الأهم التي تقدمها دول الخليج في استراتيجياتها المستمرة لتنويع الاقتصاد.
تُعد دراسة “الاتجاهات في الدراسة الدولية للرياضيات والعلوم” جهدًا منهجيًا لمقارنة النتائج التعليمية بين الدول. وقد شاركت 58 دولة في دورة عام 2023، بما في ذلك جميع دول الخليج الست. وبشكل عام، أكدت نتائجهم أن الأداء ما زال دون مستوى الطموحات. فعلى سبيل المثال، في تقييم الرياضيات للصف الثامن، كانت خمس من دول الخليج الست ضمن أدنى 14 دولة، مع تموضع الإمارات فقط في منتصف الترتيب العالمي.
من المؤكد أن مثل هذه النتائج أثارت تفكير صانعي السياسات في المنطقة، نظرًا لأهمية التعليم في التنمية الاقتصادية طويلة الأمد للدول. فالتاريخ يوضح أنه عندما تتمكن الدول ذات الموارد الطبيعية المحدودة من تحقيق مستويات معيشة مرتفعة، يكون وجود سكان متعلمين تعليمًا عاليًا شرطًا أساسيًا، كما يتضح من تجارب دول مثل أيرلندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية.
التحدي الذي يواجهه صانعو السياسات عند محاولة إصلاح أنظمة التعليم يتمثل في أن العملية مؤلمة وتتطلب مستويات غير اعتيادية من الصبر. وهناك سببان رئيسيان لذلك:
أولًا، تعليم الطفل يستغرق 12 عامًا، لذا فإن تعديل النظام التعليمي يتطلب الانتظار لعقد من الزمن على الأقل حتى تظهر النتائج الملموسة. ويزداد هذا الزمن نتيجة الحاجة أيضًا لتدريب المعلمين، حيث يُعد تطوير مهاراتهم أمرًا محوريًا لتحسين جودة التعليم.
ثانيًا، التعليم يتجاوز حدود الفصول الدراسية، ويشمل الحياة الأسرية والعامة. وإصلاح هذين الجانبين – مثل تشجيع الآباء على القراءة مع أطفالهم – يتطلب كذلك أفقًا زمنيًا طويلًا.
ومع ذلك، يوفر الذكاء الاصطناعي وسيلة لتسريع هذه العملية البطيئة تقليديًا.
عند التعرف لأول مرة على الذكاء الاصطناعي في البيئات التعليمية، غالبًا ما يركز المعلمون على السلبيات، مثل الآثار السلبية المحتملة على الإبداع البشري، والتهديدات التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على نزاهة وسائل التقييم التقليدية مثل الامتحانات المنزلية. وقد أدى ذلك إلى قيام بعض المؤسسات التعليمية باتخاذ قرارات متسرعة بحظر استخدام الذكاء الاصطناعي مؤقتًا إلى حين فهم تأثيره بشكل أفضل.
كان تبنّي المعلمين حول العالم للذكاء الاصطناعي بطيئًا نسبيًا، ويرجع ذلك في الأساس إلى الشكوك المرتبطة بالتقنيات الجديدة.
ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم يُعد سيفًا ذا حدين. ومن أبرز مزاياه قدرته على تخصيص عملية التعليم، أي تقديم المواد الدراسية للطالب بطريقة تتوافق مع نقاط قوته وضعفه الفريدة. ففي الفصل الدراسي التقليدي، يقدم المعلم الدروس بطريقة موحدة إلى حد كبير، مع وجود حدود صارمة لقدرة المعلم على الاستجابة لاحتياجات كل طالب. وهذا يضر بالطلاب ذوي القدرات المحدودة الذين يواجهون صعوبة في مواكبة الدروس، كما يعيق المتفوقين الذين يريدون التقدم بشكل أسرع لكنهم يُقيّدون بوتيرة الصف.
وقد أظهرت أبحاث عديدة أن استخدام مساعدين يعملون بالذكاء الاصطناعي لكل طالب – يقومون بامتصاص المادة التي يقدمها المعلم وتكييفها وفقًا لخصوصيات الطالب – يمكن أن يحدث تحولًا كبيرًا في نتائج التعليم. فالمواد التي يتطلب تعلمها عامًا كاملًا في الفصل التقليدي، يمكن تعلمها خلال شهرين فقط باستخدام الذكاء الاصطناعي. كما يُضفي هذا النهج متعة أكبر على تجربة التعلم لكلا الطرفين – المعلم والطالب – مع تقليل الإحباط الناتج عن التلقين الموحد.
حتى الآن، لا يزال المعلمون حول العالم بطيئين نسبيًا في استغلال هذه الفرصة، ويرجع ذلك أساسًا إلى الشكوك الإنسانية تجاه التقنيات الحديثة. ويتردد المعلمون بحق في إدخال أداة إلى الفصل قد تُلغي في النهاية مهنتهم. وهنا تكمن فرصة حقيقية لدول الخليج لتصبح رائدة عالميًا في إصلاحات التعليم المرتكزة على الذكاء الاصطناعي، شريطة الانتباه إلى بعض المخاطر الرئيسية.
أولًا، يجب تهدئة مخاوف المعلمين من فقدان وظائفهم لصالح الذكاء الاصطناعي. هناك عدة طرق لضمان أن يُحسّن الذكاء الاصطناعي من إنتاجية المعلمين بدلًا من أن يحل محلهم، ولكن اكتشاف هذه السبل يتطلب العمل الوثيق مع المعلمين لاستكشاف الخيارات. على سبيل المثال، يمكن توجيه الذكاء الاصطناعي لأداء المهام الروتينية في دورة التدريس، مما يسمح للمعلمين بتخصيص مزيد من الوقت للإرشاد، والتعليم القائم على المشاريع، والدعم العاطفي الاجتماعي. ويبرز هذا النهج قصور الذكاء الاصطناعي في تكرار الجوانب الإنسانية للتعليم مثل التعاطف والتوجيه الأخلاقي والحكم الدقيق.
ثانيًا، يجب إظهار مرونة إدارية عالية. فاستغلال فوائد الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية يتطلب أكثر بكثير من مجرد تحميل تطبيق وإجراء تعديلات بسيطة في الروتين اليومي. بل يتطلب ذلك تحولًا كليًا في أسلوب التعليم، مع إعادة تدريب المعلمين، وإعادة تصميم الفصول، وتوعية أولياء الأمور، وتغيير عقلية الموظفين الحكوميين. والمرونة التي أظهرتها دول الخليج في مجالات مثل الإصلاحات القانونية، ينبغي أن تُنقل إلى قطاع التعليم، مع إدراك جميع أصحاب المصلحة أنه “لا يمكن صنع عجة دون كسر البيض”.
الذكاء الاصطناعي ليس عصا سحرية، لكنه قد يكون الأقرب إليها في مجال التعليم. وإذا تبنت دول الخليج هذه التقنية بالجرأة نفسها التي أظهرتها في الإصلاحات الاقتصادية والقانونية، فإنها تستطيع تسريع تحول كان يستغرق أجيالًا. نافذة الفرصة مفتوحة الآن – ومن يتحرك بسرعة وذكاء، يمكنه أن يقفز إلى مقدمة الركب في مجال التعليم العالمي. وفي سباق تنويع الاقتصاد، قد يكون الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية هو أقوى محفز تمتلكه دول الخليج.
المصدر: ذا ناشيونال
الدكتور عمر العبيدلي، مدير إدارة الدراسات والبحوث