لم يكن الاجتماع الوزاري المشترك الخامس للحوار الإستراتيجي بين وزراء خارجية دول مجلس ونظيرهم التركي مولود جاويش أوغلو، والذي عقد في الرياض 13 أكتوبر الحالي هو الأول من نوعه بين الجانبين، وإنما جاء تتويجاً لسلسلة من القمم الخليجية – التركية والتي بلغت اثنتي عشرة قمة خلال عام واحد، تلك الاجتماعات تؤكد حقيقة مهمة مؤداها أن هناك رغبة لدى الطرفين في تطوير آليات التنسيق فيما بينهما من أجل ضبط مسار الأزمات الإقليمية، ولاشك أن كلاً من دول مجلس التعاون وتركيا لديهما القدرة على الاضطلاع بذلك الدور تأسيساً على معطيات عديدة ليس أقلها خبرة الماضي؛ فتركيا كان لها موقف تاريخي مبدئي تجاه رفض الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، والآن وفي ظل واقع إقليمي – عالمي جديد آخذ في التشكل فإن ثمة ضرورات إستراتيجية للمزيد من التقارب الخليجي-التركي، وخاصة في ظل حالة الخلل في توازن القوى الإقليمي؛ ما يعزز دور تركيا كموازن إقليمي، وخاصة تجاه إيران في أعقاب توقيع الاتفاق النووي وسعي إيران إلى المزيد من التمدد في دول الجوار الخليجي، من ناحية أخرى تقع تركيا في منطقة تماس الأزمات الإقليمية «سوريا – العراق – إيران»، صحيح أن تركيا انتهجت سياسة «تصفير المشكلات» مع دول الجوار إلا أن استمرار الأزمات الإقليمية من دون حسم يمثل تحدياً أمنياً هائلاً ليس بالإمكان لدولة ما التصدي لها وحدها، وثمة آليتان يمكن البناء عليهما ضمن التعاون الخليجي – التركي، الآلية الأولى: تركيا أحد أعضاء حلف الناتو، وفي الوقت نفسه هناك أربع دول خليجية وهي: البحرين والكويت والإمارات وقطر أعضاء في مبادرة اسطنبول للتعاون الإستراتيجي التي أطلقها الحلف عام 2004 ما يعطي زخماً مهماً لتلك المبادرة من ناحية وإمكانية تأييد تركيا لوجهة النظر الخليجية داخل الحلف ذاته من ناحية ثانية، بينما تتمثل الآلية الثانية في الأطر المؤسسية لتلك العلاقات سواء الحوار الإستراتيجي الخليجي – التركي، أو مجلس التنسيق الإستراتيجي السعودي التركي الذي تم تأسيسه عام 2015.

وأتصور أنه لكي يؤتي ذلك التقارب ثماره المرجوة يجب أن يكون شاملاً لكل المجالات، بحيث يكون ذا طابع إستراتيجي طويل الأمد، ولا يكون «تقارب الضرورة»، فعلى الجانب الأمني والدفاعي ومع أهمية الاتفاقيات التي تم توقيعها في هذين المجالين وخاصة منذ عام 2001 حتى الآن، وكان منها توقيع المملكة العربية السعودية وتركيا اتفاقية لشراء المملكة معدات عسكرية من تركيا عام 2016 تبدأ بقيمة 2.5 مليار دولار مع التوقع بأن تصل إلى عشرة مليارات دولار، فإن تركيا يمكنها أن تكون شريكاً مهماً لدول الخليج ككل على صعيد تنويع وجهات التسلح، وخاصة في ظل إنتاج تركيا ما قيمته 4.3 مليار دولار من المعدات العسكرية عام 2015 بما يمثل حوالي 45% من هذه المعدات التي كانت تستوردها من قبل، ومن ثم تصدير1.3 مليار دولار من تلك المنتجات، والجدير بالذكر أن بعض مجلس التعاون قد شاركت مع تركيا ضمن مناورات بحرية في عامي 2014 و2015 وذلك بصفة مراقب، وعلى المستوى الإستراتيجي ففي ظل ما رتبته الأزمات الإقليمية الراهنة من إعادة توزيع لمراكز القوى الإقليمية، فضلاً عن أن سياسات الدول الكبرى تجاه تلك الأزمات لا تشي باقتراب إيجاد حلول لها ومن ثم إطالة أمدها تبرز الحاجة إلى وجود تفاهمات خليجية – تركية من أجل ملء الفراغ الإقليمي من ناحية والحد من الآثار الأمنية التي لم تعد دولة ما ببعيدة عنها من ناحية أخرى، بل والأهم موازنة التحالف الإيراني الروسي الذي اتخذ مضامين ومسارات عديدة، وعلى الجانب الاقتصادي بدأت دول مجلس التعاون في تطبيق خطط اقتصادية طموحة تستهدف تنويع مصادر الدخل القومي في ظل ما تشهده أسعار النفط من انخفاض ملحوظ في الأسواق العالمية وفي الوقت ذاته لا يزال الاقتصاد التركي بالرغم من تجاوز حجمه 800 مليار دولار يواجه العديد من التحديات، منها تراجع إيرادات قطاع السياحة والعجز في الموازنة والأعباء الاقتصادية نتيجة لاستضافة تركيا أكثر من 3 ملايين فرد من الشعب السوري، وبالتالي يجب بحث تأسيس آليات جديدة للتعاون الاقتصادي من شأنها أن تعود بالنفع على الجانبين، مثل التفكير جدياً في مقترح إقامة منطقة للتجارة الحرة انطلاقاً من واقع التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون وتركيا، والذي تجاوز 20 مليار دولار عام 2013، فضلاً عن الاستثمارات الخليجية المباشرة مع تركيا، والتي بلغت 208 مليار دولار بين عامي 2010و2014، كما تعد دول مجلس التعاون سوقاً واعدة للمنتجات التركية.

ومع التسليم بما سبق؛ فإن هناك ثلاثة متطلبات للارتقاء بتلك العلاقات إلى آفاق أرحب، أولها: ضرورة التأكيد مبدأ أن الشراكة الحقيقية تنبى على التزام حقيقي من طرفيها بما يحقق لها الديمومة بعيداً عما يسمى «التوافقات الوقتية»، وثانيها: ربما تكون هناك حاجة إلى إعادة التعريف بتركيا لدى الرأي العام الخليجي، صحيح أن تركيا لديها قوة ناعمة منها الأعمال الدرامية، حيث أضحت تحتل المركز الثاني في تصدير المسلسلات الدرامية للعالم بعد الولايات المتحدة بإجمالي إيرادات بلغ 35 مليار دولار سنوياً، إلا أنه تبقى الحاجة إلى المزيد من الدراسات والحوارات الأكاديمية على مستوى مراكز التفكير الإستراتيجي، فضلاً عن أهمية الاهتمام بتعليم اللغة التركية في الجامعات والمؤسسات التعليمية الخليجية، ثالثها: مع أهمية كل جوانب الشراكة، فإن المجالات الدفاعية يتعين أن تكون في بؤرتها سواء بالنسبة إلى التكنولوجيا العسكرية المتقدمة التي تحتاج إليها دول مجلس التعاون أو الاستفادة من خبرة تركيا بشأن تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية.