أثار نجاح كل من «الخطوط الجوية الإماراتية»، و«القطرية» و«الاتحاد»، قلق المنافسة العالمية، ما دفع بعض شركات الطيران الأخرى لرفع دعاوى ضد شركات الطيران الخليجية هذه، تتهمها بالاستفادة من دعم «غير عادل» من حكوماتها، مثلاً توفير قروض من دون فائدة. وأصبح استعداد المواطنين الخليجيين لتقبّل هذه التهم أمراً غريباً، حيث إنّهم يتصورون أنّ نجاحات الخطوط الجوية وهمية، قائمة على «منشطات مالية» لا تقدّم لمنافسيها.
وقام الردّ الرسميّ لدى الخطوط الجوية على عنصرين. أولاً، إنكار وجود الدعم الحكومي الذي اتُهموا بالاستفادة منه. ثانياً، اتهام المدّعين بالاستفادة من دعم حكومي. ونجحت هذه الخطّة إلى الآن، ولكن قد يستمر الصراع نتيجة لحجم المصالح المالية.
وبأية حال، ليس من الضروري أن يؤثر النصر في المحاكم في الرأي العام. ولم تستفِد الخطوط الجوية بعد من إحدى الوسائل الأكثر فعالية لإقناع الجماهير بعدم اعتمادها على الدعم الحكومي، وهي الإشارة إلى أنها شركات تقدّم خدمة متميزة ورفيعة الجودة، كما ينعكس في المئات من الجوائز العالمية التي حصدتها. ففي التجارة الدولية، أحد المبادئ الراسخة هو أن الدعم الحكومي للشركات الخاصة يضرّ بجودة الخدمة المقدَّمة للمستهلك، سواء في الطيران، أو في أية سلعة أخرى. ويعود ذلك لثلاثة أسباب أساسيّة.
أولاً، وتاريخياً، فشلت الحكومات كمستثمرين روّاد، ولأسباب منطقيّة، اذ إنّ الموظفين الحكوميين يتخذون قرارات استثمارية غير مربحة لأنهم ليسوا محفّزين على بذل الجهود المطلوبة لاتخاذ قرارات صحيحة. ويعلم روّاد الأعمال الخاصون أنّ في حالة تقديمهم خدمة مفيدة للمستهلكين، سيحصدون أرباحاً كبيرة، ما يشجعهم على جمع معلومات دقيقة، ودرس حاجات المستهلكين، وللعمل في شكل دؤوب. وعلى عكس ذلك، إذا طوّر موظف حكومي ما خدمة ناجحة جداً، فهة لا يحصد إلّا شكراً وتقديراً شفوياً. وفي الواقع، هناك قصص نجاح لحكومات ساهمت محورياً في استثمارات ضخمة، ككوريا الجنوبية وسنغافورة. ولكن هناك أعداداً كبيرة من أمثلة الفشل، إذ تنفق الحكومات أموالاً كثيرة، وبنتيجة سيئة. وعلى سبيل المثال، وجّهت الحكومة الإسبانية بلايين الدولارات لقطاع الطاقة الشمسية، دعماً، ولكن المواطنين الإسبان لا يزالون يبحثون عن عائدات تبرّر النفقات الهائلة.
ثانياً: الموظف الحكومي المذكور أعلاه صادق، ولكن تنقصه الحوافز على بذل الجهود المطلوبة لاتخاذ قرار مربح، ولكن هناك نوعيات أخرى من الموظفين الحكوميين. فأحياناً، الدعم الحكومي للقطاع الخاص يمثّل فساداً، يحتوي على تحويلات مباشرة من الأموال العامة إلى أعضاء مجموعة لوبي استغلالي. ففي حال انعدام الدعم الحكومي، لا يمكن لشركة ما أن تحقّق أرباحاً إلّا عبر تقديم خدمة جيدة. بينما حين تعلن الحكومة عن استعدادها لتقديم دعم مالي، يركّز مديرو الشركات جهودهم على نشاطات اللوبي، ربما بطريقة فاسدة، على حساب التركيز على تعزيز جودة الخدمة. وتقع عادة الإعانات الزراعية ضمن هذه الفئة، فكانت سياسة الزراعة المشتركة للاتحاد الأوروبي خلال عقد التسعينات ربما أبرز مثال لفساد منهجي في القرارات الحكومية.
ثالثاً: حتى أنظمة الدعم التي تنشَأ من دون فساد، تؤدي أحياناً إلى أداء اقتصادي ضعيف، اذ إنها تخفّف الضغط المالي على الإدارة، كما يحصل لشركات النقل العام في الكثير من المدن، حينما توحي الحكومة عن استعدادها لتغطية أية خسائر محقّقة. وأحياناً يشجع الدعم الحكومي الشركات على اتخاذ قرارات غير مربحة، كما حصل حينما قدّمت الحكومات مساعدات مالية للمصارف لإنقاذها في ظلّ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وفي حال التدقيق في حسابات الشركات المستفيدة من الدعم الحكومي، قد يظهر ما يدلّ على أنّ الدعم عزّز جودة الخدمة، ولكن الاحتمال الأكبر هو اكتشاف ما يدلّ على سوء إدارةٍ وفساد. ويتضرّر المستهلك في شكل مضاعف، إذ تتدهور جودة الخدمة، وتفرَض عليه ضرائب لتمويل الدعم. ولذا، يحضّ الاقتصاديون الحكومات على عدم الرد بالمثل، حينما تقدّم حكومة دعماً «غير عادل»، حتى ولو تمنح لوائح «الدعم والإجراءات المضادّة» لدى منظمة التجارة العالمية حق تقديم دعم مماثل كردّ.
حين ادّعت خطوط «دلتا» الأميركية أن الدعم الحكومي مكّن منافساتها من تعزيز جودة خدمتها، استغرب خبراء التجارة الدولية والضوابط الحكومية ذلك، لأنّ الدعم عادة له أثرُ معاكس. وما يجعل التهمة مدعاة للضحك هو أن أحد أسباب ضعف جودة خدمة المدّعي، مقارنة بخدمة المدّعى عليه، هو الدعم الحكومي الذي يتمتّع به المدّعي! وعلى أية حال، على الإماراتيين والقطريين الشعور بالفخر لما حقّقته خطوطهما الجوية من إنجازات.