وكالة أنباء البحرين – خلصت ندوة نظمها مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة اليوم إلى أن مملكة البحرين خاصة ودول مجلس التعاون الخليجي عامة لا تواجه مخاطر دولة منذ عام 1979 وحتى الآن، مشيرة إلى أن مخاطر وتحديات الدولة معروفة ومحددة سواء أكانت أمنية أم سياسية أم اقتصادية، لكنها تواجه مخاطر مشروع إيراني متكامل له أدواته وآلياته وثوابته وغرضه مد النفوذ وبسط الهيمنة الإقليمية على كل دول المنطقة.
وأكدت الندوة التي جاءت تحت عنوان “التدخلات الإيرانية الرسمية في الشئون الداخلية لمملكة البحرين: الدلائل والمؤشرات” أن خطورة المشروع الإيراني، والذي يقنن ويؤطر للتدخلات في الشأن الوطني تنبع من عدة أمور، أبرزها أنه قديم من الناحية التاريخية وبعمر انطلاق الثورة الإيرانية ذاتها التي انطلقت في أواخر سبعينيات القرن الماضي، كما أنه يستند إلى أسس دستورية وقانونية تضفي عليه شيء من القدسية والالتزام الواجب على مؤسسات الدولة كافة هناك القيام به، خاصة أن هذا المشروع يرتكز على مبدأ “تصدير الثورة” وعلى حماية ما تسميه طهران “المستضعفين في الأرض”.
وذكرت الندوة التي حضرها معالي الفريق الركن الشيخ دعيج بن سلمان آل خليفة أمين عام مجلس الدفاع الأعلى، وعدد من أعضاء مجلس النواب والشورى، أن آليات وركائز تنفيذ المشروع الإيراني تستند إلى عدة عوامل منها: العوامل الجيواستراتيجية، بالنظر إلى أن إيران دولة بحرية تحاول الاستفادة من موقعها ومساحتها الجغرافية التي تتحكم بدورها في أحد أهم الممرات البحرية الحيوية في العالم، وليس في الإقليم فحسب.
من جانبه، أشار مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية بمركز البحرين الدكتور أشرف محمد كشك إلى من بين آليات وركائز تنفيذ مشروع الهيمنة الإيراني في المنطقة، والذي يتأكد يوما بعد يوم مع تصاعد وتيرة ومظاهر التدخل الإيراني في البحرين، ذلك الخلل في توازن القوى بين إيران ودول مجلس التعاون، والذي ازداد تكريساً بعد عام 2003، ناهيك بالطبع عن البعد الأيديولوجي، القومي والطائفي، الذي تبرر به إيران منطق تدخلاتها في الإقليم ككل، وفي البحرين بشكل خاص، حيث ترى إيران ذاتها باعتبارها جزيرة فارسية ذات طابع خاص متميز وسط محيط عربي سني معادي ولم يكن رصيداً لها يوماً.
وقال إن إيران تنفق 34% من إجمالي الميزانية العسكرية الحقيقية على الدفاع بينما توجه 65% من ميزانيتها على الحرس الثوري، وهو القوة شبه العسكرية التي تقوم بدعم كافة “الجماعات دون الدول” في منطقة الشرق الأوسط، لافتا إلى أن الصفقة النووية الأخيرة مع الدول الغربية سوف تزيد من ميزانية الدفاع العسكري الإيراني بحوالي 5% وميزانية الحرس الثوري بحوالي 50%، ما يضمن لطهران أن تكون القوة الإقليمية المهيمنة ضمن صراعها على المستويين الإقليمي والعالمي.
وأبرز كشك نماذج من التصريحات الإيرانية الرسمية تجاه مملكة البحرين ودول مجلس التعاون، موضحا أن تلك التصريحات هي على سبيل الانتقاء وليس حصراً شاملاً ولكن ولو تم حساب عدد التصريحات الإيرانية سوف نجد أنه بمعدل كل 3 أسابيع تصريح بما يعني أن هناك عمل ممنهج تم الإعداد له مسبقاً حول التطورات في البحرين بحيث يتم التعليق على أي تطورات بشكل منتظم.
وأوضح أن هذه التصريحات جاءت على لسان مسؤولين إيرانيين رسميين أو أشخاص محسوبين على النظام هناك، كما أن غالبيتها نشر في وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، وأهمها وكالة أنباء فارس ووكالة مهر للأنباء، وهي ليست مجرد تعليقا على حدث ما، وإنما تحمل تحريضاً على النظام السياسي في البحرين من ناحية وتهديد لمملكة البحرين من ناحية أخرى، كذلك يلاحظ أن التصريحات تصدر بمجرد وقوع حدث ما دونما التريث لتحري الحقيقة.
وبين أن هناك عدة آليات مقترحة لمواجهة مثل هذه التدخلات، أولها: متابعة الداخل الإيراني، خاصة أن مكونات المجتمع الإيراني بها ما يفرقها أكثر مما يجمعها، وبالتالي يتعين أن تكون هناك ثقافة مجتمعية بإيران كنظام سياسي ومجتمع، لأن التعامل معها سيكون طويل الأمد، ثانيها: تعزيز النفوذ الخليجي في دول الجوار، وذلك بسبب أن إيران تمددت في تلك الدول لأن لديها مشروعا من ناحية ومن ناحية أخرى بسبب انحسار الدور الخليجي في تلك الدول، خاصة العراق واليمن اللذين يقدمان نموذجين على ذلك النفوذ الإيراني الأمر الذي يتعين معه تعزيز النفوذ الخليجي في دول الجوار، بالإضافة إلى حتمية توحيد السياسات الخليجية تجاه إيران، لأن عكس ذلك يتيح لطهران هامشاً كبيراً من المناورة في سياستها تجاه دول مجلس التعاون، وإلى: رصد وتحليل الخطاب الإيراني الرسمي لإيضاح ما به من تناقض، الأمر الذي يتعين معه إيجاد استراتيجية إعلامية خليجية متكاملة لمواجهة الآلة والخطاب الإعلامي الإيراني المنظم تجاه دول مجلس التعاون.
في السياق نفسه، قال د. محمد الهاجري رئيس وحدة الدعم المعلوماتي بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة أنه لا تكاد تمر سنة إلا ونجد تصريحات صادرة من رموز لمؤسسات رسمية في النظام الإيراني ضد مملكة البحرين، وهو ما يشكل تدخلاً صارخاً في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، وتتنوع هذه التصريحات بتنوع المؤسسات الرسمية الإيرانية، لكن كلها تصب في اتجاه هدف واحد مما يدل على وجود مشروع من قبل صناع القرار في إيران فيما يتعلق برؤيتهم تجاه البحرين.
وأضاف أن مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة قد تناول هذا الموضوع من خلال منهجية علمية لرصد وتحليل هذه التدخلات المغرضة والذي تتسابق فيه القيادات الإيرانية بإطلاق التصريحات والتي تجافي الواقع والحقائق، فبدأنا بطرح التساؤلات التالية: كيف يصنع القرار السياسي في إيران؟ ماهي مؤسسات الحكم الداخلة في صنع القرار السياسي في إيران؟
ما هو الثقل النسبي لكل مؤسسة في اتخاذ القرار؟ كيف تنظر مؤسسات الحكم الرسمية الإيرانية إلى مملكة البحرين، وبخاصة أثناء الأزمة الماضية؟ هل تتغير السياسة الإيرانية بتغير الوجود أم أن هنالك عمل مؤسساتي يحول دون تغيير السياسات وان تغيرت الوجوه؟
وتابع الهاجري قائلا: هناك مؤسسات كبرى يفصل فيها الدستور الإيراني، ومن الملاحظ أن هنالك مؤسسات لا توجد لها نظائر في الدول الأخرى، أبرزها: مؤسسة القائد، مجلس الخبراء، مجلس صيانة الدستور، مجلس تشخيص مصلحة النظام، موضحا فيما يتعلق بتعيين السياسات العامة في إيران، يقوم القائد بتعيين الخطوط الرئيسية للسياسات الكلية ويطلب دراستها من جانب مجمع تشخيص مصلحة النظام. أما فيما يتعلق بآليات تنفيذ هذه السياسات فيراقب القائد عمل مؤسسات الجمهورية الإسلامية وسلطاتها جمعيها للتأكد من تنفيذ السياسات التي وضعها، والتدخل عند اللزوم لحل المشكلات التي تحدث فيما بينها.
وأكد أن هنالك سياسة يعتنقها النظام الإيراني تجاه مملكة البحرين، ويتم توزيع الأدوار بحسب المؤسسات هناك، ويستمر العمل على هذه السياسة مهما تغيرت وجوه النظام، موضحا أن التدخلات الإيرانية الرسمية في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين تأتي من قبل المؤسسات الإيرانية ذات الوزن النسبي الأثقل والفاعل في صناعة القرار السياسي والاستراتيجي هناك.
من جهته، قال الدكتور خالد الرويحي المدير التنفيذي لمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة إن الأسباب الخفية وراء تصاعد مستوى خطاب مؤسسات الحكم الإيرانية ضد مملكة البحرين وبعض دول مجلس التعاون تبدأ من الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة دول (5+1 ). وحسب التفاصيل المعلنة، فإن هذا الاتفاق لا يصب بمصلحة النظام الإيراني، بل يعتبر مخرجا للأزمة التي أغرقت إيران نفسها فيه.
وأضاف من تلك الأسباب أيضا: فشل النظام الإيراني في تحقيق حلم الهيمنة الإقليمية عبر مشروع تصدير الثورة، والقيادة المتقنة والأداء العالي لقوات مجلس التعاون في عملية “عاصفة الحزم” ووصول النظام الإيراني إلى منعطف تاريخي خطير وهو الاختيار الاستراتيجي.
وأشار إلى أن ايران تحولت من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة وذلك من خلال إنشاء المليشيات والجماعات والأحزاب المسلحة والمؤدلجة عقائديا والتي تعتبر المرشد الأعلى مرجعيتها الوحيدة، وكذلك استخدام 75 قناة فضائية إيرانية منها، 35 قناة ناطقة باللغة العربية، وتخصيص قنوات موجهة ضد الدول الخليجية، بالإضافة إلى إنتاج العشرات من الأفلام سنويا وإصدار المئات من الكتب والعشرات من الصحف.
وقارن سوء الأوضاع الاقتصادية الداخلية في ايران وما تنعم به مملكة البحرين من مميزات، مشيرا إلى أن النظام الإيراني قرر تأخير العمل في حلم الهيمنة الإقليمية لمدة 10 إلى 15 سنة حسب مخرجات الاتفاق النووي للاحتفاظ بكرسي الحكم.
وخلص الرويحي إلى ضرورة فهم أوضاع الداخل الإيراني والمشاكل الاقتصادية ذات الصبغة الاجتماعية التي يعاني منها الإيرانيون، والتي يحاول النظام الهروب منها عبر تصدير أزماته للخارج، وتبرير تدخلاته في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، ومنها البحرين عبر التصريحات العدائية المنتظمة ضدها، والتي تعد تدخلا سافرا في شؤونها.
وفي نهاية الندوة شكر معالي الفريق الركن الشيخ دعيج بن سلمان آل خليفة أمين عام مجلس الدفاع الأعلى مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة مبينا أن التدخلات الإيرانية في البحرين ليست وليدة اليوم، بل إن لها تاريخا يمتد إلى ما قبل قيام الثورة في إيران 1979 مشيدا بتكاتف أبناء البحرين وولائهم ما جعلهم يتغلبون على تلك المحاولات والتدخلات.
وأشار إلى أن أزمة 2011 حلت بوقفه عظيمة من الشعب وحكمة جلالة الملك ضد تدخلات ايران وضد دول العالم والاهم ضد المؤامرة التي كانت تُحبك لزعزعة امن مملكة البحرين من قبل مجموعة من الدولة الكبرى في العالم.
واكد أن إيران تطمع بمملكة البحرين منذ سنوات عديدة مشيرا الى ان إيران تمتلك ثروات لا يمتلكها معظم دول العالم بل هي تعتبر من اغنى دول العالم ولكنها تخصص 65% من ميزانيتها للإرهاب.
ودعا معاليه إلى التلاحم والتكاتف بين كافة اطراف المجتمع مبينا أن إيران استطاعت التدخل في شؤون المملكة استنادا إلى استراتيجية القوة الناعمة والتي تقوم على نخر العقول وهي المسببة في أزمة 2011 وزعزعة العلاقات بين الطائفتين الكريمتين.