في دراسة لمركز «دراسات» حول أهمية مضيق باب المندب: الممر المائي نقطة تماس إستراتيجي لأمن الخليج وإفريقيا

يعد مضيق باب المندب من أهم الممرات المائية على مستوى العالم لدوره في الربط بين التجارة العالمية من الشرق إلى الغرب، وقد ازدادت أهميته مؤخرا نظرا إلى ما تمر به المنطقة من توترات وصراعات، وبالتالي سعى عديد من القوى الإقليمية والدولية إلى بسط نفوذها في هذه المنطقة الإستراتيجية، ونتج عن ذلك تزايد أعداد القواعد العسكرية في القرن الإفريقي. فهناك وجود عسكري أمريكي وفرنسي وبريطاني وياباني في تلك المنطقة، بالإضافة إلى تصريح وزير الخارجية الجيبوتي بترحيب بلاده بوجود عسكري سعودي على أراضيها، كما أنه من المقرر أن تقوم الصين ببناء قاعدة عسكرية في 2017 بجيبوتي، وقد أرسلت بريطانيا المدمرة العسكرية «ام اتش اس دارينغ» التي تعد أكثر المدمرات البريطانية تطورا إلى منطقة باب المندب في نوفمبر الماضي لحماية مصالحها في المنطقة من الصواريخ الإيرانية حسبما أفادت صحيفة التايمز البريطانية.

ويشير د. أشرف كشك مدير برنامج الدراسات الإستراتيجية بمركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة، إلى أن مضيق باب المندب يمثل نموذجا واضحا لالتقاء وتشابك الأمن الإقليمي مع العالمي، لافتا إلى أن هذا المضيق يمثل نقطة تماس إستراتيجي تربط بين أمن الخليج وإفريقيا، ويكتسب أهمية كبيرة لعبور حوالي 25 ألف سفينة فيه سنويا بما يمثل 7% من حجم الملاحة العالمية، ويتم من خلاله نقل 4 ملايين برميل من النفط يوميا إلى أوروبا وأمريكا وآسيا.

وأوضح د. أشرف كشك في دراسته حول مضيق باب المندب وأهميته إلى أنه وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية فقد تضاعف حجم تجارة المنتجات البترولية والنفط الخام التي تعبر المضيق من 2.7 مليون برميل يوميا عام 2010، إلى 4.7 ملايين برميل يوميا في عام 2014، كما أنه يعد أحد أهم ثلاثة مضائق عالمية، ويمر عبره نحو 40% من المعروض النفطي العالمي. وذكر في دراسته أن الموقع الجغرافي للدولة يؤثر على سياستها الخارجية، وأن الدول البحرية دائما ما يكون لديها ميزة إستراتيجية سواء باستغلال موقعها الجغرافي أو توظيف الجغرافيا في سياستها الخارجية، على عكس الدول الحبيسة التي ليس لها سواحل بحرية).

مضيفا أنه ضمن ذلك الإطار يمكن تفسير السياسة الإيرانية التي تسعى إلى وضع منطقة الخليج العربي بين شقي رحى وهما مضيق هرمز شمالا ومضيق باب المندب جنوبا، وتعمل على تطبيق سياسة شد الأطراف التي وضعها رئيس وزراء إسرائيل السابق بن جوريون عام 1949، والتي تهدف إلى التغلغل في الدول المحيطة.

وأشار في دراسته إلى أن إيران لا تدخل في مواجهات مباشرة مع دول الخليج ولكن تعمل على جعل محيطها الإقليمي «سوريا، العراق، اليمن» في حالة من التوتر المزمن مما يفسر حرص إيران على دعم الحوثيين في اليمن من خلال عمليات تهريب الأسلحة عبر السواحل اليمنية على البحر الأحمر وخليج عدن والتي تبلغ 1900كم، بالإضافة إلى تأكيد عديد من المصادر قيام إيران باستئجار عدة جزر في إريتريا كنقاط ارتكاز ومنطلق لدعم الحوثيين.

وأشار د. أشرف كشك في دراسته إلى أن تلك السياسات الإيرانية تمثل تهديدا ليس فقط للملاحة في مضيق باب المندب وإنما تهدد توازن القوى في المنطقة، حيث إنه في حال تمكن أي قوة من السيطرة على ذلك المضيق فإن ذلك سوف يعني تغير جوهري في ميزان القوى الإقليمي، ففي أعقاب سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014 تمكنوا من نقل صواريخ بالستية بعيدة المدى إلى معسكر يبعد 10 كم عن باب المندب، وهو مؤشر يعكس سعي إيران إلى تغيير موازين القوى الإقليمية.

وتطرق د. كشك في دراسته إلى حرص دول مجلس التعاون الخليجي على حماية الملاحة في هذا المضيق للحيلولة دون سعي الحوثيين إلى السيطرة عليه،من خلال إقرار قادة دول المجلس إنشاء قوة بحرية مشتركة خلال قمة الدوحة 2014، تلي ذلك تأسيس مركز العمليات البحرية الخليجي الموحد ومقره البحرين، بالإضافة إلى حرص دول المجلس على إجراء التمرينات البحرية المشتركة ومنها التمرين البحري المشترك للقوات البحرية الخليجية «اتحاد18» بهدف زيادة كفاءتها القتالية.

مضيفا أنه في ظل وجود الحرس الثوري الإيراني في إريتريا فإن هناك أهمية للحد من النفوذ الإيراني في الساحل الإفريقي, ولعل قرار المملكة العربية السعودية إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي حسبما أشارت إلى ذلك تقارير إخبارية، يعد تطورا مهما ليس فقط لتأمين مضيق باب المندب وإنما لنقل خطوط الدفاع عن الأمن القومي للمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي عموما خارج نطاق الأزمة اليمنية. واقترح د. أشرف في دراسته آليتين لإيجاد صيغة أمنية تعاونية بين الدول المطلة على مضيق باب المندب من أجل تحقيق الأمن الإقليمي والعالمي، الآلية الأولى تتمثل في تأسيس منتدى للأمن الإقليمي على غرار التجمعات الأمنية الإقليمية ومنها رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي ورابطة الدول المطلة على المحيط الهندي، الهدف منها هو أن يكون هناك إطار جماعي للتشاور بشأن المخاطر والتحديات المشتركة.

أما الآلية الثانية تتمثل في التنسيق والحوار بين دول مجلس التعاون والاتحاد الإفريقي بشأن الأزمات الإقليمية التي تمثل مخاطر مشتركة لا سميا في كل من اليمن والصومال اللتين تمثلان نقطة تماس إستراتيجي بين أمن دول مجلس التعاون الخليجي وأمن الدول الإفريقية كما أن كلتا المنظمتين تعبران عن تجربتين مهمتين للأمن الإقليمي.

Related posts