الاتحاد الأوروبي وقضية الهجرة.. بين المتطلبات الأمنية والاعتبارات الإنسانية

على الرغم من تعدد الأسباب التي حدت ببريطانيا للخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي في أعقاب استفتاء أجري لهذا الغرض فإنه مما لا شك فيه أن قضية الهجرة كانت أحد أسباب ذلك الخروج إذ كانت بريطانيا تستقبل حوالي مليون وافد سنوياً، بل إن تلك القضية كانت سبباً لنجاح تيارات يمينية لأول مرة في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها بعض الدول الأوروبية، ومع أن تلك القضية ليست بالأمر الجديد بل كانت -ولا تزال- هاجساً يؤرق الدول الأوروبية ليس فقط من منظور الأعباء الاقتصادية التي يرتبها هؤلاء المهاجرون على اقتصادات الدول الأوروبية وخاصة الشرقية منها المثقلة بالبطالة ومعدلات التضخم المتنامية، بل من منظور الاعتبارات الإنسانية وخاصة القيم التي لطالما رأى مؤسسو الاتحاد أنها تمثل جوهر ذلك التجمع الذي برغم تطوره عبر حقب زمنية مختلفة من صيغة الى أخرى فإن ذلك لم يمس جوهر تلك القيم التي مثلت «القوة الناعمة» للاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن إقرار الاتحاد الأوروبي اتفاقاً حول الهجرة في التاسع والعشرين من يونيو 2018 يمثل تطوراً مهماً ولا سيما في ظل جهود دول الاتحاد للإبقاء على تلك المنظومة في أعقاب خروج بريطانيا منها، ذلك الاتفاق الذي تضمن بنوداً مهمة للغاية، وهي إنشاء منصات إنزال للمهاجرين خارج أوروبا، وتشييد مراكز خاضعة للمراقبة في دول أوروبية، وذلك بهدف إحداث عملية «فرز» لهؤلاء المهاجرين للتمييز بين من يستحقون اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلى دعوة كافة دول الاتحاد الأوروبي الى اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتجنب انتقال هؤلاء فيما بينها، فضلاً عن الاتفاق على زيادة الدعم المقدم لكل من تركيا والمغرب وبعض بلدان الشمال الإفريقي، ولا شك أن ذلك الاتفاق -في حال إجماع الدول الأوروبية على تنفيذه- من شأنه ليس فقط تحقيق العدالة بين الدول الأوروبية بشأن استقبال اللاجئين حتى لا يكون الموقع الجغرافي عبئاً على دولة ما، حيث لوحظ أن إيطاليا تحملت العبء الأكبر خلال سنوات مضت لكونها البوابة الأولى للاتحاد الأوروبي قبالة البحر المتوسط، فعلى سبيل المثال ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة فقد بلغ عدد المهاجرين الذين وصلوا الى الدول الأوروبية عبر البحر المتوسط منذ يناير حتى سبتمبر 2017 حوالي 133 ألفاً و640 مهاجراً بينما لقي 2556 حتفهم غرقاً في البحر، وقد بلغ نصيب إيطاليا وحدها حوالي 75% من هؤلاء المهاجرين.

اقرأ المزيد

Related posts