أسعار النفط ودور أمريكا في الخليج العربي

سقطت أسعار النفط بشكل كبير خلال الربع الأخير لـ 2014 إذ تبلغ الآن ما يقل عن 50 دولاراً للبرميل مقارنة بما يزيد عن 100 دولار للبرميل في أغسطس 2014. ودفع ذلك التراجع الحاد الخبراء إلى التنبؤ بصعوبات اقتصادية للدول المنتجة للنفط، وعلى رأسها دول مجلس التعاون. وانعكس القلق العام في أحدث التقارير الصادرة من المنظمات الدولية التي تتابع الشؤون الاقتصادية الخليجية كصندوق النقد الدولي وشركات التصنيف الائتماني، مما جعل وزراء المالية وغيرهم بالتعليق حول مدى أثر الهبوط على الإنفاقات الحكومية والخطط الاقتصادية. وما لفت الانتباه هو أن الدول الخليجية لم تغير سياساتها النفطية ولم تناد باجتماعات طارئة ولم تقم بتصريحات مليئة بالتشاؤم أو القلق والادعاء بمؤامرات غربية ضدها، بل إنها حافظت على خطها السابق بشكل شبه كامل. وأدى غياب ردة فعل سعودية إلى اتهامها بالتآمر في خفض الأسعار من قبل الدولة المنافسة إيران! ودون شك هذه تهمة غير سليمة فإن امتلكت السعودية القدرة على تغيير أسعار النفط بهذه السهولة فلا بد أنها تكون قد استخدمتها لرفع الأسعار منذ زمن طويل وليس الانتظار لـ 2014. فيعود هبوك الأسعار بالأساس إلى ضعف الاقتصاد الدولي (والصيني تحديداً) وارتفاع في الإنتاج الأمريكي والعراقي والليبي، فكما يحصل في كافة الأسواق، يخضع سعر النفط إلى قانون العرض والطلب وليس لتخطيط أية جهة مركزية متحكمة. وتطرح هذه المستجدات احتمالاً غير مسبوق وهو أن الدول الخليجية قد تستفيد إلى حد ما من انخفاض في أسعار النفط. وطبعاً إن كانت هناك إيجابيات متعلقة بتراجع أسعار «الذهب الأسود» فلا تقع في البعد الاقتصادي المباشر لأن الميزانيات العامة في الدول الخليجية تعتمد بشكل أساسي على الإيرادات النفطية (ما يزيد عن 70% في معظم الدول). فهناك قناة أخرى – وهي القناة الجيو-سياسية – قد تحول انخفاض أسعار النفط من كارثة إلى فرصة للدول الخليجية. منذ تنصيبه في مطلع عام 2009، هدف الرئيس الأمريكي أوباما علنياً إلى تقليل تدخّل دولته في الشرق الأوسط بعد تصعيد الرئيس السابق بوش في ذلك المجال. وتمثلت محاولات أوباما في انسحاب القوات الأمريكية من العراق وتعزيز العلاقات الأمريكية-الإيرانية وإشراك الدول الخليجية في الأمن الإقليمي عسكرياً وغيرها. وتعود هذه السياسات إلى رؤية شخصية لدى أوباما كما أنها تنبع من انكماش النفوذ الاقتصادي الأمريكي الذي كان مهيمناً وأصبح يواجه منافسة ملموسة من كل أنحاء العالم. ويشكل تطوير الإنتاج النفطي الأمريكي أحد أهم عناصر خطة تقليل ارتباطات الولايات المتحدة بالجزيرة العربية. فحوّلت ثورة النفط الصخري أمريكا من دولة مستوردة للنفط وغير قادرة على فك اعتمادها على الدول الخليجية إلى دولة تبحث في تصدير النفط (حالياً يحظَر تصديرها للنفط لأسباب أمنية ولكن تفكر الحكومة في تغيير القانون) وتنافس الدول الخليجية أمام المشتريين الآسيويين كاليابان وكوريا الجنوبية. وأصبح الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط مصدر قلق للدول الخليجية فهي معتمدة على أمريكا أمنياً وعسكرياً لمواجهة الجمهورية الإسلامية إيران التي لا تكتفي بحدودها الجغرافية وتطمح باستمرار (ومنذ العصور القديمة) للهيمنة الإقليمية، وتحلم في ملء أية فجوة قوة قد تظهر نتيجة لانسحاب أمريكي. ولكن هبوط أسعار النفط يعرقل خطة أوباما وربما يعمل لصالح دول مجلس التعاون حيث أنه يضرب في القطاع النفطي الأمريكي. فحسب أحدث بيانات لوكالة معلومات الطاقة الامريكية (US Energy Information Administration) تتميز دول شرق الأوسط بأدنى كلفة إنتاج النفط عالمياً إذ تبلغ 17 دولار. وما بمنافسيها؟ 25 دولاراً لكندا، و27 دولاراً لأمريكا الجنوبية والوسطى، و34 دولاراً للولايات المتحدة، و45 دولاراً لأفريقيا. وحينما تتراجع الأسعار بسبب انخفاض في الطلب (كما يحصل جزئياً الآن) فيتراجع إنتاج البياعين ذوي الكلف المرتفعة أولاً وأساساً – منها أمريكا – وتتعزز سيطرة المنتجين ذوي الكلفة المتدنية على السوق – وهي دول مجلس التعاون. وبالإضافة إلى ذلك، يهدد هبوط أسعار النفط استقرار إيران السياسي فتعتمد الحكومة الإيرانية على الإيرادات النفطية لمشاريعها الداخلية (فضلاً عن أنشطتها الخارجية المتعددة مثلاً في سوريا والعراق)، ولا بد أن أي قلقلة في النظام الإيراني يغري الأيدي الأمريكية التي تبحث عن مصادر نفوذ دائماً. يوماً ما، كان انخفاض ما في أسعار النفط يشكل أفضل هدية للحكومة الأمريكية بسبب كونه منشّط للاقتصاد، كما أنه يمثّل ضربة في الاقتصادات الخليجية بسبب اعتمادها على النفط. تغيّرت الأوضاع الاقتصادية وما زالت الأوضاع السياسية الخليجية في بالغ التعقيد، فلذا نجد أن القواعد التقليدية انقلبت ولأول مرة منذ اكتشاف النفط في الشرق الأوسط، قد يشتكي زعيم أمريكي من انخفاض في أسعار النفط، وقد ترغب فيه الدول الخليجية! وفيما يخص دور الولايات المتحدة الأمني في الخليج، فينسجم عليه القول: «دخول الحمام مش زي خروجه»

Related posts