انتهى مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة “دراسات” من وضع اللمسات الأخيرة على كتاب توثيقي مهم، يتناول أحداث العدوان القطري المسلح على ضحال الديبل الذي يقع في المياه الإقليمية البحرينية عام 1986م، وهي سابقة تاريخية مؤلمة أحدثت شرخًا عميقًا في علاقات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكشفت عن طبيعة الممارسات القطرية العدائية، وعدم مراعاة أية اعتبارات لما يربط بين الشعبين من أواصر ومقومات مشتركة أو لعلاقات الجوار والثوابت الخليجية، والمنافية كذلك للأخلاق العربية والإنسانية.
ومن منطلق أهمية توثيق التاريخ، الذي تعد مجرياته وأحداثه المفصلية محركًا أساسيًا لفهم الحقائق واستنباط التفاعلات التي تشكل واقع اليوم وملامح الغد، فإن هذا الكتاب يهدف بشكل جوهري إلى توثيق أحداث ووقائع العدوان الغاشم للاحتلال القطري على الديبل عام 1986م باعتباره جريمة غدر نكراء للاعتداء على أراضِ وسيادة دولة جارة مسالمة.
ويسرد الكتاب مجريات وحيثيات الوقائع التاريخية للعدوان القطري على ضحال الديبل بكل تجرد وموضوعية، بهدف بيان سلوك النظام القطري الذي يثبت يومًا بعد يوم أنه يغرد منفردًا خارج السرب، ويتخذ إجراءات وسياسات من شأنها تأجيج الفتن وزعزعة الأمن والاستقرار لدول وشعوب المنطقة التي تؤمن بأنها ذات مصير واحد. كما أنه يشكل حلقة مهمة في مسلسل التجاوزات القطرية بحق جيرانه وأمن الخليج العربي بل والأمن القومي العربي برمته.
ويتناول الكتاب هذا العدوان المؤسف الذي صدم أهل الخليج العربي، ويسرد تفاصيله المؤلمة حيث تم استهداف عمال أبرياء، لا يملكون من أمرهم شيئًا. فقد فوجئ عمال الشركة الهولندية العاملة في الديبل، بهبوط أربع طائرات هيلكوبتر، في ظهر يوم السبت 26 أبريل 1986م، نزلت منها مجموعة من الجنود يصيحون بصوت مرتفع وهم في حالة عصبية ويطلقون الرصاص في الهواء، وأمروهم بالوقوف في صف واحد والتزام الهدوء.
وفي الوقت ذاته، تم توجيه نيران البنادق سريعة الطلقات نحو سفينة تابعة للشركة قرب الديبل أصابت بدن السفينة، وعندما حاولت الهروب لحق بها قارب حربي قطري، وتم اقتيادها نحو الديبل. كما قامت المروحيات بمطاردة قاطرة بحرية أخرى بنيران المدافع الرشاشة.
ويقول أحد المهندسين العاملين بالديبل: إنه اعتقد أن القوات التي هاجمتهم هي قوات إيرانية، ولكن المدهش أن القوات كانت قطرية حيث جاء ضابط وقال لهم: “إنهم سوف ينقلون إلى قطر رغم أن قطر ليس لديها شيء ضدهم”، وأوضح أنهم سوف ينقلون بعد ذلك إلى البحرين.
وفي البدء انتشرت الأخبار حول العدوان القطري المسلح بأن الأعمال التي يقوم بها العمال في ضحال الديبل، هي منشآت صناعية، وأخبار أخرى بأنها ضمن مشروع إنشاء مركز مراقبة تابع لقوات خفر السواحل البحرينية، إلا أنه قد تبين بعد ذلك أنها كانت منشآت نقاط مراقبة تابعة لدول مجلس التعاون مهمتها رصد حركة عبور السفن في الخليج العربي وتحذيرها من أي هجمات طيران محتملة عليها. وهو الأمر الذي أكده الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبدالله بشارة بأن المنشآت الموجودة تأتي وفق تصور عسكري ينسجم مع نظرة اللجنة العسكرية في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون، وأن قرار إقامة المنشآت في ضحال الديبل من عدمه لم يتخذ من قبل البحرين وحدها وإنما من قبل اللجنة العسكرية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ويقدم الكتاب عرضًا للعدوان القطري على الديبل في عام 1986م، ويتضمن تسلسلاً للأحداث الدراماتيكية التي جرت حينها، وبخاصة الاحتجاج الرسمي الذي قدمته حكومة هولندا ضد قطر لاختطافها العمال الأبرياء الذين كانوا يعملون في ضحال الديبل.
كما تتناول فصول الكتاب الموقع الجغرافي للديبل، وتاريخ السيادة البحرينية على الديبل، ومن ثم يفصل الكتاب أحداث العدوان القطري على الديبل، وكيف اختارت حكومة البحرين موقف ضبط النفس، ومن ثم يتناول كيف تم تسوية الأزمة ودور الوسطاء في مجلس التعاون وبخاصة وساطة المملكة العربية السعودية في السيطرة عليها، وكيف كانت المراوغة القطرية في تنفيذ الاتفاق الهادف لإنهاء النزاع، ووضعها للعراقيل مما تسبب في إطالة أمد الأزمة. وأخيراً يشرح الكتاب كيف كان الإصرار والحنق القطري واضحاً على تخريب الأدوات والممتلكات حتى الرمق الأخير من عمر الأزمة.
ويأمل مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة “دراسات” في أن يكون هذا الكتاب إضافة قيمة ونوعية للمكتبة الخليجية والعربية، حيث إن عملية توثيق الأحداث تهدف إلى أن يستفيد منها كل باحث عن الحقيقة وكذلك الأجيال القادمة كي تدرك أبعاد هذا العدوان الجائر والعداء السافر، إلى جانب استلهام العبر والدروس، باعتباره مثالاً بارزًا على ما تقدمه مملكة البحرين من شهداء وتضحيات على مر تاريخها لحماية أمنها وسيادتها.