الأمريكيّون الأصليّون وسياسة النفط الخليجيّة

اقترحتُ في مقالٍ سابقٍ («الدعم الإستراتيجي لمنظّمات حماية البيئة»، صحيفة الحياة، 04/01/2016) أنّه ينبغي لدول مجلس التعاون أن تنظر في تقديم دعم إلى منظّمات حماية البيئة، ولا سيما في أمريكا؛ كوسيلة لمكافحة التوسّع في إنتاج النفط الصخري. وبرزت مؤخّرا فرصة شبيهة لتحقيق الهدف نفسه، ربّما بكلفة أقلّ، ومن دون بعض المخاطر المتعلّقة بتعزيز نفوذ أنصار حماية البيئة، وهي دعم الأمريكيين الأصليّين في صراعهم مع منتجي النفط الأمريكي.
مع نهضة قطاع النفط الأمريكي في القرن الواحد والعشرين، الذي قام على ابتكارات في تكنولوجيا النفط الصخري، جرت استثمارات حديثة في البنية التحتية التي تخدم القطاع النفطي، منها خطوط أنابيب تربط الحقول الجديدة بمراكز التكرير والتصدير. وصادف أنّ بعض الخطوط المطروحة تضرب في مصلحة الأمريكيين الأصلّيين لمختلف الأسباب.
ففي بعض الحالات، تمرّ الخطوط في أراضٍ مقدّسة عند الأمريكيّين الأصليّين، ربّما لأنّها تحتوي على قبورٍ لأجدادهم. وفي حالات أخرى، يتخوّف الأمريكيون الأصليون من التلوث المتوقع في المياه التي تمر فيها الأنابيب؛ لأنهم يعتمدون على تلك الموارد في معيشتهم.
واتبعت قبائل الأصليين الإجراءات الرسمية لتسجيل اعتراضهم على تلك المشاريع، التي تشمل تقديم شكاوى رسمية عند المحاكم. ولكن مواردهم المالية وخبراتهم في المجال القانوني ضئيلة للغاية مقارنة بما تمتلكه شركات النفط من قدرات.
وفي بداية شهر سبتمبر، رفض قاضي الدائرة المعنيّة في ولاية داكوتا الشمالية طلب ممن يزيد على 200 مجموعة تمثّل الأمريكيين الأصليين؛ لإيقاف إنشاء خطّ أنابيب يمرّ بجوار أراضٍ مقدّسة لقبيلة السو «الصخرة الواقفة». ولكن بسبب تعاطف رئيس الجمهورية باراك أوباما مع الأقليّات في أمريكا -منها الأمريكيّون الأصليّون- بالإضافة إلى تعاطف حزبه (الديمقراطيّون) معهم أيضاً، صدر طلب رسمي من الحكومة الفيدرالية لإيقاف المشروع، ولكنّ الطلب غير إلزامي، ولم يتّضح بعد ماذا ستفعل الشركات المعنيّة؛ ولكنها أشارت سابقا إلى أهمية الخطّ لأنشطتها التجارية، ولقطاع النفط الصخريّ عموما.
ويمثّل هذا الصراع فرصة جوهرية للكتلة النفطية الخليجية؛ لتنويع وتعزيز إستراتيجياتها ضدّ النفط الصخري، فتركّز السعودية حاليا على التنافس المباشر عبر أسواق النفط الخام العالمية، وغير المباشر عبر الاستثمارات في القطاعات المكمّلة؛ كالتكرير والتوزيع، والعلاقات الإستراتيجية مع كبار المستهلكين، ولا سيما الصين والهند.
ولكن ينبغي الاستفادة من الوسائل السياسية أيضا، كما تفعل أمريكا حينما تدافع عن مصالحها الدولية؛ فعلى سبيل المثال تستخدم الولايات المتحدة ورقة حماية البيئة ضد الصين؛ لتعيق نموها الاقتصادي، على الرغم من أنّ أمريكا أكبر مصدر للتلوث البيئي تاريخيًّا وحاليًّا. ومن إيجابيات دعم الأمريكيين الأصليين أنه مشروع محدود الكلفة مقارنة بالوسائل الأخرى التي تلجأ إليها دول مجلس التعاون عادة، والتي تقوم بالأساس على عقد صفقات تجارية كبرى واستخدامها كوسيلة للضغط على الطرف الآخر؛ فالأمريكيون الأصليون هم جماعات مسالمة، وبعيدون عن السياسة الدولية، ومواردهم محدودة، وربما ليس لديهم أي دعم خارجي؛ لأنّه عادة لا يوجد تداخل بين مصالحهم ومصالح أي جهة غير أمريكية.
وهناك ميزة إضافية لدعم الأمريكيين الأصليين مقارنة بمنظمات حماية البيئة، التي أيضاً تمكّنت من عرقلة أنشطة شركات النفط في حقول مهمّة، واقترحتُ دعمها في مقالي السابق. فمنظّمات حماية البيئة قد تتفق مع دول مجلس التعاون على قضية النفط الصخري، ولكنّ الطرفين يختلفان اختلافًا جذريًّا في قضية النفط عموما، والطاقة غير المتجدّدة؛ إذ تسعى تلك المنظّمات إلى خفض استهلاك النفط عموما، وتعزيز دور الطاقة المتجدّدة. ومن الصعب دعمها في مجال مكافحة النفط الصخري من دون تمكينها -بشكلٍ غير مقصود- في مجال مكافحة النفط عموما.
وعلى عكس ذلك، لا خلافَ بين دول مجلس التعاون والقبائل الأمريكية الأصليّة في أي مجال آخر، وبالتالي لا مخاطرة في دعمها. وإذا رغبت دول مجلس التعاون فعلاً في الاستفادة من هذه الفرصة عليها أن تقدّم الدعم بذكاء؛ لكي لا ينكشف غرضها الحقيقي؛ لأنّ السياسة الدولية تقوم على العمل السري. فينبغي تقديم الدعم عبر وسطاء ليس لهم أي علاقة علنية بحكومات دول مجلس التعاون، كما تفعل كل من إسرائيل وإيران في سياساتهما الدولية. ففي الوقت الراهن تشنّ بعض الجهات الأمريكية حملة إعلامية شرسة ضد دول مجلس التعاون؛ مّا يقلّل من رغبة الأمريكيين الأصليّين في التعاون مع الدول الخليجية بشكلٍ علني، ويؤكد أهمية دعمهم عبر وسائل سريّة.
ولا يتعارض هذا الاقتراح مع الوسائل الأخرى المتاحة لدول مجلس التعاون في صراعها التجاري مع النفط الصخري؛ إذ ينبغي تنفيذ خطط متنوّعة بشكلٍ موازٍ؛ حتى لو يعدُّ تقديم دعم سياسي سرّي إلى أقليّةٍ في دولة أخرى مشروعا غير تقليدي لوزراء النفط في دول مجلس التعاون، قد يستفيدون من إحدى مقولات الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: «تمرُّ بي أوقات تُحيلني إلى ما لا أشبه فيها نفسي بتاتًا، إلى حدّ أنه أؤخَذُ على أنني إنسان آخر تماما، شخصيته مغايرة على الإطلاق».

Related posts