التنويع الاقتصادي والتطور الصناعي
يتميز العديد من الدول المتقدمة، التي تفتقر في الأغلب إلى الموارد الطبيعية، بالتصنيع التكنولوجي وغير التكنولوجي في عديد من القطاعات. مثلاً، تتميز اليابان بتصنيعها للسيارات، وألمانيا بالمكائن، وكوريا بالسلع التكنولوجية. فكل دولة تتميز بصناعاتها الرائدة في أحد مجالات الصناعة. ولكن، هذه الدول لا تحصر نفسها في صناعة أنواع معينة من السلع، ولكنها تفتح المجال لصناعات أخرى ممكن أن تدفع بالنمو الاقتصادي وتخلق المزيد من فرص العمل وزيادة معدل الابتكار والريادة في القطاع الصناعي.
وكما ذكرنا أعلاه، فإن لدى دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة واليابان وكوريا وفرنسا صناعات مختلفة مثل صناعة الأدوية، والأسلحة، والسلع التكنولوجية، والسيارات، وصناعة الكمبيوتر والإلكترونيات، وغيرها.
ولكن، تطورت هذه الدول في مختلف هذه الصناعات منذ عقود من الزمن. فكيف يمكن لدول، مثل البحرين، أن تبدأ في مواكبة التنوع الصناعي في هذه الدول، والذي بدوره رفع التصدير لهذه الصناعات والناتج المحلي الإجمالي لقطاع الصناعة بهدف التنويع الاقتصادي الذي ترنو إليه البحرين كأحد مكتسبات الرؤية الاقتصادية لعام 2030.
أحد أهم الخطوات الرئيسية التي يمكن تصميمها بمشاركة كل أصحاب المصلحة هي وضع استراتيجية شاملة لقطاع الصناعة، ودراسة مستفيضة للقطاعات الصناعية في البحرين وكيف يمكن الدفع بتطويرها. يذكر الأستاذ الياباني «كينئيشي أونو» المتخصص في مجال اقتصادات التنمية والتمويل الدولي في كتابه «تاريخ التنمية الاقتصادية في اليابان» على أن اليابان كانت دولة متخلفة عن الركب وكانت تحتاج إلى مواءمة التطور التكنولوجي في الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا، وللوصول إلى أهداف التطور التكنولوجي، فإن «رؤية اليابان الاقتصادية لابد أن تبنى على تحليل متعمق للتغير في المسارات العالمية»، ويعلق أن «هناك حاجة حقيقية إلى تصميم وتنفيذ خطة شاملة دقيقة لإعادة البناء. يجب أن تعتمد هذه الخطة على التصنيع والتطوير التكنولوجي والتحول الديناميكي في هيكل المعاملات الخارجية. ويذكر أنه «يجب أن يتم تحليل كل قطاع صناعي مهم بشكل دقيق، ويتم اقتراح برامج ترويجية بشكل دقيق وواقعي. ويتعين على اليابان أن تتجه إلى الصناعات التي تعتمد على تكثيف العمالة الماهرة..». ومن هنا، نوه أونو أن اليابان اتجهت إلى خطوتين مهمتين، الأولى وضع خطة شاملة ودراسة مستفيضة للقطاعات الصناعية التي تود اليابان أن تتطور فيها،
وثانياً، بدأت اليابان في إرسال بعثات لدراسة هذه الصناعات في الخارج، بالإضافة إلى استقطاب الاستثمارات الخارجية لهذه الصناعات من الخارج بهدف نقل الخبرة والمعرفة إلى الداخل وتنمية هذه الصناعات في الداخل.
وبسبب تقدم العديد من الصناعات في الدول المتقدمة بشكل كبير، يصعب على دول الخليج العربي أن تبدأ من الصفر لمواكبة التطور الصناعي في هذه الدول، لذلك، فالميزة النسبية أو التقدم النسبي لهذه الدول تشكل عائقا كبيرا لدول الخليج العربي. ولكن هنالك بعض الحلول التي اقترحها أونو في كتابه حول كيفية تنمية القطاعات الصناعية محلياً. ويقترح الكاتب أن أحد الحلول التي يمكن اتباعها هي رسم خطة استراتيجية شاملة للقطاع الصناعي، والتي تأتي من خلال دراسات مستفيضة حول كيفية التحول في القطاع الصناعي في البحرين، وكيف يمكن فتح صناعات جديدة محلياً يمكن أن تدفع بالنمو الاقتصادي وتخلق المزيد من فرص العمل وتكثيف العمالة الماهرة. ويجب أن تكون هذه الاستراتيجية واضحة وشاملة في كيفية الوصول إلى الأهداف، كما يشترط تعاون أصحاب المصلحة في رسم هذه الخطط وأخذ آرائهم المختلفة في كيفية الوصول إلى هذه الأهداف المقترحة.
أما الخطوة الثانية فتأتي من منطلق استقطاب الصناعات التكنولوجية من الدول الأجنبية التي تتميز بهذه الصناعات. ويسهم ذلك في نقل الخبرة والمعرفة وتطوير هذا القطاع بشكل أكبر في المستقبل. ولكن قبل ذلك، يجب معرفة ما التحديات والعوائق التي تقف في وجه استقطاب هذه الصناعات للداخل؟ هل هناك قوانين أو لوائح معيقة؟ هل ينقص المستثمرون ورجال الأعمال في الداخل أو الخارج مبادئ توجيهية واضحة في كيفية فتح مثل هذه الصناعات؟ مثلاً، هل هناك قوانين ولوائح خاصة تتعلق بصناعة السيارات في البحرين؟ وما الوقت المستغرق لفتح شركة صناعة السيارات أو مصنع أدوية أو غيرها؟ هذه الأسئلة رغم بساطتها، ولكنها مهمة بشكل كبير لرجال الأعمال والمستثمرين. ويجب أن تضمن الخطط المتعلقة بالصناعة منهجية واضحة في كيفية التعامل ومعالجة هذه المشاكل واختبارها بشكل متواصل لضمان الوصول إلى الأهداف التي تضعها الدولة.
المصدر: أخبار الخليج
علي فقيه، أستاذ مشارك