أثار فوز الرئيس حسن روحاني -المحسوب على التيار الإصلاحي- في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أجريت في يونيو 2013 ، الكثير من التساؤلات حول مستقبل السياسة الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ فبتحليل الصحف الخليجية والعربية التي تناولت نتائج تلك الانتخابات، انقسمت الآراء ما بين مرحب بتلك النتيجة، انطلاقاً من أنها ستكون إيذاناً بانتهاء حقبة حكم تيار المحافظين خلال فترتي حكم الرئيس السابق أحمدي نجاد والتي اتسمت بتشدد الخطاب الإيراني تجاه دول مجلس التعاون، وبخاصة القضايا محل الخلاف بين الجانبين، فضلاً عن ازدياد وتيرة التدخل الإيراني في شؤون دول المجلس عموماً ومملكة البحرين على نحو خاص، بينما سادت نزعة التشاؤم لدى تيار آخر انطلاقاً من أن إيران شهدت في فترات سابقة حقب حكم مختلفة للتيار الإصلاحي ولم تؤد إلى تغيير جوهري في سياستها تجاه دول مجلس التعاون، ومن ثم فإن المسألة لا تعدو كونها تغيير أشخاص وليس سياسات.
وما بين هذا وذاك فإن النظرة الموضوعية لنتائج تلك الانتخابات وتأثيرها على السياسة الخارجية الإيرانية عموماً وتجاه دول مجلس التعاون خاصة، تتطلب الأخذ في الاعتبار عدة أمور أولها: طبيعة النظام السياسي الإيراني، حيث لا يعدّ الرئيس هو صانع القرار الأول، إذ أراد واضعو ذلك النظام تحقيق” التوازن بين السلطات” بما لا يتيح طغيان إحداها على الأخرى. وثانيها: الخبرة التاريخية لدول مجلس التعاون تجاه إيران، حيث إن لإيران أهدافاً ثابتة ضمن سياستها الخارجية لا تتغير بتغير النخب الحاكمة، ويظل التغيير فقط في آلية تعامل النظام الحاكم في إيران تجاه تلك القضايا. وثالثها: الإطار الإقليمي والدولي، فإيران ودول مجلس التعاون هي جزء من الإقليم الخليجي، وذلك الأخير يتفاعل مع الدائرتين الشرق أوسطية والدولية تأثراً وتأثيراً. ورابعها: القضايا العالقة بين دول مجلس التعاون وإيران والتي لا تنفصل عن الرؤية الإيرانية لأمن الخليج العربي. وخامسها: سياسات دول مجلس التعاون تجاه إيران والتي تشهد تبايناً في بعض الأحايين، وتأثير ذلك على مجمل العلاقات الخليجية – الإيرانية عموماً.
من ناحية أخرى فإنّ الاتفاق المرحليّ الذي تمّ توقيعه بين إيران ومجموعة دول ال 5+ 1 بشأن البرنامج النوويّ الإيرانيّ في 23 نوفمبر 2013 يعدّ تطوراً نوعيّاً ضمن سياق العلاقات الخليجيّة الإيرانيّة، فعلى الرغم من ترحيب دول المجلس بذلك الاتفاق، باعتبار أنّه ربما يمهّد السبيل نحو حلّ سلميّ للأزمة النوويّة الإيرانيّة – وهو ما يتسق مع مواقف دول المجلس في هذا الشأن- فإنّ مخاوف تلك الدول تتمثّل في عدّة أمور منها الخشية أ لّ تكون فترة الأشهر الستّة كافية لإنهاء تلك القضيّة البالغة التعقيد، ومن ثمّ فإنّ ذلك الاتفاق المرحليّ ربّا لن يكون الأوّل أو الأخير، بل قد تليه اتفاقات أخرى، كما أنّ هناك مخاوف خليجيّة أ لّ يقتصر ذلك الاتفاق على المسألة النوويّة، بل قد يشمل قضايا إقليميّة بشأن دور إيران في أمن الخليج في ظلّ استمرار وجود العديد من القضايا الخلافيّة بين الجانبين، وبالتالي فإنّ مخاوف دول المجلس لا تكمن في الاتفاق بل في مضمونه .وبصفة عامّة لا تكمن مشكلة دول مجلس التعاون مع إيران في الملفّ النوويّ فحسب، وإنّا الفجوة بين الأقوال والأفعال؛ فدول مجلس التعاون أعلنت – غير مرّة – أنّها لا تمانع في التعاون مع إيران من منطلق اعتبارات الجوار الجغرافيّ التي لا يمكن إنكارها، إ لّ أنّ التدخّلات الإيرانيّة في الشؤون الداخليّة لدول مجلس التعاون، فضلاً عن وجود عدد من القضايا الخلافيّة بين الجانبين، تحول دون ذلك.
وانطلاقاً مما سبق تستهدف تلك الدراسة الإجابة على تساؤلات ستة هي:
أولها: ما هي المحددات التي يمكن من خلالها فهم طبيعة العلاقات الخليجية-الإيرانية؟ وثانيها : ما هي العوامل التي أدت إلى فوز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية؟ وثالثها: هل سيتمكن الرئيس الإيراني الجديد من إحداث تغيير حقيقي في السياسة الخارجية الإيرانية الراهنة تجاه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ظل القضايا الخلافية بين الجانبين؟ ورابعها :ما هو حجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها إيران بشأن القضايا الخلافية مع دول مجلس التعاون؟ وخامسها: ما هي آفاق نجاح الاتفاق بين إيران ومجموعة دول ال 5+ 1 بشأن البرنامج النوويّ الإيرانيّ؟ وسادسها: ما هي الاستراتيجيّة الخليجيّة المطلوبة تجاه واقع ومستقبل السياسات الإيرانيّة الإقليميّة عموماً؟