شكّلت طفرة النفط الصخري الأمريكي ثورة في أسواق النفط غيرت الكثير من المفاهيم المتعلقة بهذا السوق الحركي. لقد نجحت صناعة النفط الصخري في مضاعفة إنتاج الولايات المتحدة من النفط في غضون سنوات قليلة، بالتحديد من بعد الأزمة المالية عام 2008 وحتى عام 2014.
مشاريع النفط الصخري تختلف كليّاً عن مشاريع النفط التقليدي من حيث الحجم والمدة الزمنيّة المتوقعة بين اتخاذ قرار تنفيذ المشروع وبدء الإنتاج. فآبار النفط الصخري صغيرة في الحجم وتستغرق مدة تنفيذ المشروع أقل من سنة، تقريباً، حتى يبدأ الإنتاج. وعلى النقيض منه، تستغرق الحقول التقليدية الكثير من الموارد والتخطيط وحتى بعد اتخاذ قرار تنفيذ المشروع لا يبدأ الإنتاج إلا بعد سنوات. فمن هذا الجانب من الممكن الحديث عن سرعة استجابة هذه الصناعة للتقلبات السعريّة، أو على الأقل المرونة التي تتسم بها مقارنة بالمشاريع الضخمة التقليدية.
وتختلف أيضاً صناعة النفط الصخري الأمريكي عن صناعات النفط التقليدية من جانب نوعيّة الشركات التي تعمل في هذا القطاع. فحيث تهيمن شركات النفط العملاقة الوطنيّة منها والدوليّة (أرامكو السعوديّة وتوتال الفرنسيّة مثلاً) على الصناعة التقليدية، نجد أنّ جُل من يعمل في صناعة النفط الصخري هي شركات صغيرة أو متوسطة على الأكثر. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى حجم المشاريع كما سبق ذكره. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم شركات النفط الصخري فكيف نستطيع تفسير الطفرة الكبيرة التي حصلت بعد الأزمة المالية والسنوات القليلة التي تلتها؟
للإجابة على هذا التساؤل يجب النظر إلى بيئة القطاع المالي للولايات المتحدة بشكل خاص وللعالم بشكل عام في تلك الفترة. اتخذت معظم البنوك المركزية آنذاك سياسات تحفيزية للاقتصاد كتخفيض أسعار الفائدة وما يعرف أيضاً بالتيسير الكمّي بغرض الخروج من تلك الأزمة. وقد دفعت هذه السياسات المالية المستثمرين للبحث عن مجالات استثماريّة ذات مردود أفضل حتى لو تضمنت قطاعات استثماريّة ذات مخاطر عالية كالنفط الصخري.
بهذه الصيغة تمكنت شركات النفط الصخري الصغيرة من النمو ومضاعفة عمليّاتها في وقت قصير مستفيدة من الديون المتاحة في تلك المرحلة، مما أحدث هذه الثورة في انتاج النفط في الولايات المتحدة. ومن جانب آخر تظهر جليّاً المخاطر الحقيقيّة المحدقة بهذه الصناعة وإمكانية استمرارها وثباتها في الظروف الحالية لأسواق النفط. فعندما كانت أسعار النفط حول نطاق 100 دولار، شّكلت مدفوعات الديون لدى شركات النفط الصخري 50-60% من الإيرادات أو السيولة التي جنتها هذه الشركات خلال 2012 إلى منتصف 2014.
وبعد تراجع أسعار النفط وكذلك إيرادات هذه الشركات، ارتفعت نسبة مدفوعات الديون إلى ما يزيد عن 80% من السيولة التي تتحصل عليها هذه الشركات. مما زاد من الضغوط والتحديات أمام هذه الشركات. لقد أصبح قطاع النفط الصخري بهذا الشكل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقطاع المالي. فأي اهتزازات ماليّة أو تغيّر في السياسات الماليّة للدول (كرفع أسعار الفائدة على سبيل المثال) ستنعكس حتما على انتاج النفط الصخري الأمريكي. ويضيف العامل بعداً جديداً عند تحليل واستشراف آفاق سوق النفط والدور الذي يلعبه النفط الصخري فيه.