من أهمّ التطوّرات في مجال الطاقة في العقد الحالي هو التحسّن الحادّ والمستدام في الجدوى الاقتصادية للتقنيات المستخدمة في توليد الطاقة المتجدّدة. فقد استفادت هذه التكنولوجيا كثيراً وتطوّرت بسبب الانتشار الكبير والسريع في الكثير من الدول. حتى أصبحت بعض هذه التقنيات تنافس المصادر التقليدية لتوليد الكهرباء؛ ممّا شجّع العديد من الدول – بما فيها دول الخليج العربي- إلى الاهتمام المتزايد بالطاقة المتجدّدة. ولكن مع الهبوط الحادّ في أسعار النفط منذ منتصف 2014، حيث فقد النفط نحو 50% من قيمته منذ الصيف الماضي، خيّمت المخاوف من تأثير تراجع أسعار النفط على الجدوى الاقتصادية لمصادر الطاقة المتجدّدة. ورأى البعض أنّ هذا الانخفاض سيؤخّر من النموّ في استخدام الطاقة المتجدّدة. ولكن نجد في الواقع أنّ هبوط أسعار النفط لم يكن له تأثير كبير على قطاع الطاقة المتجدّدة، فقطاع الطاقة المتجدّدة تجاوز المرحلة التي تؤثّر فيها أسعار النفط على مصيره.
عندما انهارت أسعار النفط في الثمانينات من القرن الماضي تمّ إيقاف الكثير من المشاريع الكبيرة في الطاقة المتجدّدة في العديد من الدول كاليابان والولايات المتحدة. هذا حدث مع أنّ النفط لا يعتبر مصدراً رئيسيّاً منافساً لتوليد الطاقة الكهربائية، ولكن تأثيره على الطاقة المتجدّدة حصل عبر تأثير سعر النفط على تسعير مصادر الوقود الأحفورية الأخرى كالغاز الطبيعي. فعندما انخفضت أسعار النفط ارتفع مستوى استخدام مصادر الوقود الأحفوري؛ ممّا أبطأ من النمو في استخدام الطاقة المتجدّدة.
ولكن اليوم نجد أنّ التطوّرات في تكنولوجيا الطاقة المتجدّدة وصلت إلى مستوى كبير من التقدّم؛ فتكنولوجيا الطاقة المتجدّدة لم تَعُدْ خياراً بديلاً باهظاً مقارنةً بمصادر الطاقة التقليدية. فلذلك؛ فإنّ هبوط أسعار النفط لم يؤثّر كثيراً على الاستثمارات في الطاقة المتجدّدة. وتكنولوجيا الطاقة المتجدّدة في تطوّرٍ سريعٍ ومستمر؛ فأسعار توربينات الرياح انخفضت بمقدار الثلث تقريباً منذ 2009. في حين انخفضت تكلفة إنتاج الكهرباء على نطاق واسع، عن طريق وحدات الطاقة الشمسية الفوتوفولطية (Solar PV)، بنحو النصف منذ 2010. أمّا تكلفة الألواح الشمسية التي توضع على البيوت السكنيّة فانخفضت بنسبة 70% منذ 2008. ومن الواضح أنّ تكلفة الطاقة المتجدّدة ستظلّ في انخفاض مع مرور الوقت.
كما أنّ الاستهلاك في الطاقة المتجدّدة اليوم لم يعد فقط لإيجاد مصدر بديل للوقود الأحفوري؛ فاليوم الكثير من الدول تستثمر في الطاقة المتجدّدة؛ لأسباب بيئية من أهمّها تجنّب تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. فمثلاً الصين التي هي أكبر مستثمر في الطاقة المتجدّدة اليوم، ترفض أن تقلّل من استثماراتها في الطاقة المتجدّدة مع هبوط أسعار النفط ومع هبوط أسعار الفحم، الذي هو المصدر الرئيسي لتوليد الكهرباء في الصين؛ لأنّ هدفها من الاستثمار في الطاقة المتجدّدة هو: أوّلاً لإزالة الدخان الكثيف الذي يلوّث مدنها. وثانياً لتنويع مصادر الطاقة وتحقيق أمن الطاقة. وبسبب أنّ الكثير من الدول تستثمر في الطاقة المتجدّدة لأسباب بيئية أو لتنويع مصادر الطاقة، فإنّ أسعار النفط اليوم لم يعد لها تأثير قويّ على الاستثمارات في الطاقة المتجدّدة.
ويبيّن لنا التاريخ أنّ أسعار النفط في تذبذب دائم، ولا يخفى على أحد أنّ أسعار النفط اليوم ليست بالأسعار الطبيعيّة؛ وهذا التدنّى مؤقّت، وإن طالت مدّته. فلا يمكن أن تستمر أسعار النفط في هذه المستويات على المدى الطويل. فلذلك، لا ينبغي اتخاذ قرارات الاستثمارات في مجال توليد الكهرباء باستخدام أسعار النفط الحاليّة. فالاستثمار في مصادر الطاقة المتجدّدة هو استثمارٌ لتوليد الطاقة على المدى الطويل، فالعمر الافتراضي لتكنولوجيا الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح هو أكثر من 25 سنة.
الاستثمار في الطاقة المتجدّدة يمثّل التحوّط الأكثر أماناً على المدى الطويل ضدّ تقلّبات أسعار النفط، من خلال تنويع إمدادات الطاقة. عندما ترتفع أسعار النفط في الأسواق العالمية، تصبح تكلفة الفرصة البديلة لاستهلاك الطاقة محلياً في دول مجلس التعاون عالية جداً. هذا بسبب أنّ أسعار الطاقة مدعومة محليّاً، وأسعار الطاقة المحليّة لا تتغيّر مع التغيّرات في الأسواق العالميّة. فلذلك من خلال استخدام مصادر الطاقة البديلة تستطيع الدولة أن تصدّر هذه البراميل المستهلكة محلياًّ إلى الخارج، وتستخدم الأرباح من الصادرات للاستثمار في الاقتصاد، وفي تنويع مصادر الدخل.
اللجوء إلى استخدام الطاقة المتجدّدة مهمٌّ جدّاً لدول الخليج؛ بسبب ارتفاع استهلاك الطاقة غير المستدام، فإذا استمرّ نموّ الاستهلاك على ما هو عليه اليوم، فإنّ دول مجلس التعاون ستضطر إلى التضحية بصادراتها – التي هي المصدر الرئيسي لدخل الحكومات في دول مجلس التعاون – لتلبية الاستهلاك المحلي. المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تستهلك الآن نحو ربع إنتاجها من النفط محليّاً مقارنة مع 3 في المئة فقط في السبعينيّات من القرن الماضي. لذلك، ينبغي على دول الخليج أن تفكر في بتغييرات جذريّة في اقتصاداتها بدءاً من التنويع الاقتصاديّ بعيداً عن مصادر النفط والغاز. وتعتبر منطقتنا من أفضل المناطق من حيث قوّة سطوع الشمس وانتظامها على مدار العام؛ مّما يجعل دول الخليج قادرة على إنتاج كميّات كبيرة من الطاقة الشمسيّة، وأن تكون رائدة في هذا المجال، بحيث يمكنها أيضاّ أن تكون مُصدّراً رئيسياً للطاقة الشمسيّة إلى الدول المجاورة.