قمة الرياض وبناء منظومة الأمن الإقليمي

قمة الرياض وبناء منظومة الأمن الإقليمي

على الرغم من أن الدورة العادية الثانية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية  التي عقدت في 21 مايو 2023م بمدينة جدة السعودية قمة  عربية عادية  بيد أنها عقدت في ظل ظروف غير عادية  حتمت على القادة العرب اتخاذ قرارات مهمة وغير نمطية ولعل أبرزها عودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، ذلك القرار الذي يعكس رؤية عربية  استراتيجية لمفهوم الأمن القومي العربي وكذلك الأمن الإقليمي عموماً ومحوريته ضمن التحولات الإقليمية والعالمية الراهنة، ومع التأكيد على أنها قمة التضامن العربي فإن ثمة تساؤلات تطرح ذاتها بشأن تأثير مخرجات القمة على منظومة الأمن الإقليمي أولها: ما هو مفهوم الأمن الإقليمي وكيف تطور خلال العقود الماضية؟ وثانيها: ما هي مظاهر تأثير الأمن العالمي على الأمن الإقليمي؟ وثالثها: ما هي أطراف الأمن الإقليمي والشركاء من المنظور العربي؟ ورابعها: ما هي الآليات العربية لمواجهة تهديدات الأمن الإقليمي في ضوء مخرجات القمة؟

أولاً: مفهوم الأمن الإقليمي وتطوره خلال العقود الماضية

الأمن الإقليمي هو مفهوم وسيط بين الأمن العالمي والأمن الوطني، وقد خصص ميثاق الأمم الفصل الثامن كاملاً عن مفهوم الأمن الإقليمي وكيفية عماله وتكامله مع الأمن العالمي، وكانت  هناك إسهامات نظرية عديدة حول ذلك المفهوم منها باري بوذان الذي ألف العديد من الكتب حول مفهوم الأقاليم والأمن الإقليمي، وقد وجد ذلك المفهوم سبيله نحو التطبيق من خلال تنظيمات الأمن الإقليمي  ومنها منظمة الآسيان وتجربة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وخلال تاريخها لعبت جامعة الدول العربية دوراً مهماً في  الترسيخ لمفهوم الأمن الإقليمي كإطار جامع يضم دولاً تربطها أواصر سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية مشتركة، بل أن المادة التاسعة من ميثاقها أتاحت الفرصة لتأسيس تنظيمات أمن دون الإقليمي فرعية ومنها تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981م كمبادرة لأمن دول الخليج العربي الست، وكغيرها من تنظيمات الأمن الإقليمي نجحت الجامعة أحياناً في التدخل لحل بعض الصراعات، فضلاً عن اتخاذ مواقف جماعية تعكس هوية ومصالح دولها الأعضاء، ولكن في الوقت ذاته كان اختلاف المصالح عائقاً أمام إيجاد حلول لبعض الأزمات ومنها الانقسام  العربي الحاد  في أروقة الجامعة خلال أزمة الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م ، بالإضافة لعدم القدرة أحياناً على التدخل العسكري لإنهاء أزمات كان لها أبعاداً إنسانية واضحة مثل طلب الجامعة من مجلس الأمن الاضطلاع بمسؤولياته عام 2011م لمنع هجمات النظام الليبي على المدنيين وهو القرار الذي اعتبره حلف شمال الأطلسي”الناتو” دعماً إقليمياً للتدخل في الأزمة الليبية آنذاك.

وبعيداً عن الإسهاب في تقييم دور جامعة الدول العربية كتنظيم إقليمي فإنه يجب الأخذ بالاعتبار أن تنظيمات الأمن الإقليمي لا تعمل في فراغ وإنما  في بيئة إقليمية وأخرى عالمية بقدر ما بهما من فرص بهما تحديات ، فمن ناحية فقد حال تعقيد بعض الصراعات دون إيجاد حلول لها ضمن تلك التنظيمات وخاصة القضايا الحدودية وموارد المياه ،ومن ناحية ثانية أدى انتهاء  الحدود الفاصلة بين  مستويات الأمن الثلاثة: الأمن الوطني والأمن الإقليمي والأمن العالمي إلى ظهور تحديات تحتاج لتعاون عبر الأقاليم مثل الأمن الغذائي الغذائي والتغير المناخي وقضايا الطاقة، ومن ناحية ثالثة كان للتدخلات الخارجية في قضايا المنطقة العربية تأثير على عمل تنظيمات الأمن الإقليمي التي لم تتمكن من الاضطلاع بدورها تجاه الازمات.

ثانياً: مظاهر تأثير الأمن العالمي على الأمن الإقليمي

من خلال تحليل مسارات التفاعل بين الأمن العالمي ونظيره الإقليمي نجد أن ثمة تداخلاً كبيراً  بين المستويين، فعلى ىسبيل المثال إذا  كانت الولايات المتحدة  الأمريكية قد استطاعت الحفاظ على توازن القوى الإقليمي عام 1991م  من خلال قيادة تحالف  مكون من 34 دولة لتحرير دولة الكويت من الغزو العراقي ، إلا أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م كان سبباً في تدمير منظومة الأمن الإقليمي برمتها،فعلى الرغم من أن الإطاحة بالنظام العراقي السابق بممارساته العدائية تجاه أمن الخليج العربي منذ الحرب العراقية- الإيرانية وصولاً لغزو الكويت فإن الغزو  الأمريكي للعراق قد أحدث خللاً في منظومة الأمن الإقليمي لاتزال تداعياته حتى الآن أهمها   هلال الأزمات الإقليمية الذي جعل دول الجوار  الخليجي في حالة من التأزيم المزمن وهو ما أوجد أعباءً أمنية على دول الخليج العربي كان التدخل العسكري الخليجي في اليمن عام 2015م  أحد مظاهرها.

من ناحية أخرى كانت الأزمة الأوكرانية تحولاً جديداً في منظومة العلاقات الدولية ما بين أطراف تسعى للحفاظ على دورها  القيادي العالمي وأخرى تسعى لتغيير واقع ذلك النظام والمطالبة باحترام مصالحها الحيوية الأمر الذي أوجد صداماً عسكرياً كان له انعكاسات هائلة على الأمن الإقليمي ليس فقط على صعيد صعوبة الانحياز لهذا الطرف أو ذاك بل في الوقت ذاته مواجهة تداعيات تلك الحرب سواء من خلال تحدي الأمن الغذائي على سبيل المثال لا الحصر، فعلى الرغم من أن أن الأزمة الأوكرانية بعيدة جغرافياً عن منطقة الشرق الأوسط إلا أن تأثيراتها واضحة سواء بشأن وقف تصدير القمح والحبوب لدول المنطقة، أو موضوع أمن الطاقة وتأثيرها في الشراكة بين دول المنطقة والدول الكبرى  والجدل بشأن زيادة أو خفض إنتاج النفط، كما أن تلك الأزمة قد وضعت بعض الدول في مأزق في اتخاذ موقف مع هذا الطرف أو ذاك فبعض الدول تحصل على غذائها من روسيا وسلاحها من الغرب.

 ويعني ما سبق أنه عند تقييم عمل تنظيمات الأمن الإقليمي لابد من الأخذ بالاعتبار توازن القوى الإقليمي وكذلك هيكل النظام الدولي الذي قد يتضمن قيوداً على عمل تلك التنظيمات ، تلك القيود تعد  أكثر وضوحاً في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموماً ، إلا أنه من ناحية أخرى فإن اندلاع الأزمة الأوكرانية ومن ثم انشغال الدول الكبرى بها بل وما عكسته مفاهيم الأمن القومي سواء للولايات المتحدة أو بقية الدول الغربية وكذلك حلف شمال الأطلسي” الناتو” من وضع مواجهة الصين وروسيا كأولوية ضمن تلك المفاهيم، أتاح ذلك الفرصة للأمن الإقليمي العمل بعيداً عن قيود النظام الدولي وهو ما عكسته مسارات المصالحات الثنائية بين العديد من الدول والتي شهدت توتراً في علاقاتها خلال العقد الماضي، بالإضافة لوجود مبادرات للأمن الإقليمي لا تتناقض مع الأطر الدولية ولكنها تتكامل معها.

ثالثاً: الأمن الإقليمي: الأطراف والشركاء

لا يعني ما سبق أن الحديث يدور عن مستوى للأمن الإقليمي يعمل بشكل مستقل عن نظيره العالمي بدليل أن كافة البيانات الختامية سواء لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أو الجامعة العربية تشير إلى التعاون مع الأطراف الدولية من أجل مواجهة تهديدات الأمن الإقليمي، تلك الأطراف التي أضحت جزءً لا يتجزأ من منظومة الأمن الإقليمي ذاتها، ولكن لابد من الأخذ بالاعتبار أنه عند الحديث عن منظومة الأمن  الإقليمي فإن ذلك لايعني الدول فحسب بل  الجماعات دون الدول” الميلشيات المسلحة” في مناطق الصراع والتي تستهدف هدم مفهوم الدولة الوطنية الموحدة وتمولها دول تتفق أو تختلف معها على المستوى الأيديولوجي  ولكن الهدف هو إذكاء الصراع والعمل على ديموته، من ناحية ثانية فإن المنظمات الإقليمية وكذلك منظمات العمل الإنساني تعد طرفاً أساسياً في منظومة الأمن الإقليمي، من ناحية ثالثة فإن الواقع الإقليمي الجديد يشهد ما يمكن أن يطلق عليه “مناطق جوار الجوار” فلم يعد الحديث عن دول الجوار المباشر مثل العراق وإيران وسوريا واليمن وإنما ذهبت دول الخليج العربي إلى شرق المتوسط ومنطقة القرن الإفريقي لما بهما من فرص لدور خليجي جديد، بالإضافة إلى مواجهة تهديدات أمن الخليج جراء التفاعلات في هاتين الدائرتين.

ومع أهمية ما سبق فإن الواقع الراهن لمسار الأمن الإقليمي بقدر ما يتيح من فرص للتعاون الإقليمي أو بالأحرى بناء منظومة الأمن الإقليمي ذاتها وهو ما يمكن أن تسهم فيه سواء جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون لدول الخليج العربية فإن هناك ثلاثة إشكاليات، الأولى: توصيف أطراف الصراع في الأزمات الإقليمية ومن ذلك وجود خطاب دولي مفاده لابد من تسوية الصراع في السودان على سبيل المثال من خلال التفاوض بين طرفي الصراع على نحو مغاير لمضامين المواثيق الدولية التي تنص على احترام وحدة الدول وسيادتها واستقلالها ، فكيف تتم المساواة بين الدولة بمؤسساتها الرسمية وإحدي الميلشيات التي انشقت عنها؟ ، والثانية: مؤشرات التقارب الإقليمي ومن بينها الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية الصين ، وبرغم أهميته فإن تنفيذ المضامين على أرض الواقع قد يحتاج بعض الوقت للاتفاق على كافة الملفات العالقة والتي من بينها رؤية كل طرف لتوصيف الجماعات دون الدول ومدى شرعيتها سواء ما يرتبط بمصالح كل دولة أو ما تضمنته القرارات الأممية بشأن تلك الجماعات ، والثالثة:   تأثير التنافس الدولي على منظومة الأمن الإقليمي، فمع أهمية وجود إرادة من جانب الأطراف الإقليمية للنهوض مجدداً بأطر العمل الإقليمي المشترك لكونها هي السياج الواقي من أي تهديدات طارئة وتقدم خبرة الدول الخليجية  في التعامل مع الأزمات دليلاً على ذلك بما لايعني عدم أهمية الشراكات والتحالفات الدولية ولكن دائماً يلاحظ ظهور مبادرات ومبادرات بديلة ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ،التحالف الدولي ضد داعش عام 2014م كمبادرة أمريكية والتحالف  العسكري لمحاربة التحالف العسكري الإسلامي لمحابة الإرهاب كمبادرة سعودية عام 2015م،أيضاً التحالف العسكري لأمن الملاحة البحرية بقيادة الولايات المتحدة عام 2019م كمبادرة أمريكية عام 2019 في أعقاب الاعتداءات الإيرانية على ناقلات النفط في الخليج العربي ، وتجمع الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن عام 2020م كمبادرة سعودية ومن بين أهدافها مواجهة تهديدات الأمن البحري، وعلى الرغم من عدم التعارض بين تلك الأطر فإنها تمثل تحدياً لمنظومة الأمن الإقليمي ذاتها من حيث تعدد التزام الدول ضمن تلك الأطر بل والأهم تأثيرها على عمل تنظيمات الأمن الإقليمي ذاتها وخاصة جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.

رابعاً: الآليات العربية  لمواجهة تهديدات الأمن الإقليمي في ضوء مخرجات القمة العربية

لايعني ما سبق عدم قدرة تنظيمات الأمن الإقليمي على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية ولكنها لا تزال تمثل الإطار الأهم للعمل متعدد الأطراف، ومع تعدد تلك التهديدات فإن أبرزها يتمثل في استمرار الأزمات العربية في وقت متزامن وما ترتبه من تهديد للأمن القومي العربي سواء تدفق اللاجئين لدول الجوار أو نمو أنشطة الجماعات الإرهابية ، بل  الاكثر خطورة  هدم مفهوم الدولة الوطنية الموحدة ذاتها لصالح مشروعات عابرة للحدود، بالإضافة إلى تهديدات الأمن البحري  والتي تعد من أبرز تلك التهديدات سواء من خلال استمرار استهداف ناقلات النفط أو تهديد الملاحة البحرية في طرق المرور البحري الاستراتيجية التي تمثل الشرايين الرئيسية للتجارة الدولية، فضلاً عن  التهديدات السيبرانية والتي تعد أكثر حدة في دول الخليج العربي  في ظل ما شهدته تلك الدول من تطورات في التحول نحو الحكومة الإلكترونية كجزء من متطلبات خطط التنمية الشاملة فإنها تظل عرضة للمزيد من الهجمات السيبرانية، وتتنامي خطورة تلك التهديدات التي تستهدف قطاعات حيوية في بعض الدول مثل المطارات والمنشآت الاقتصادية المهمة، ومخاطر استهدافها عمل الجيوش في الوقت ذاته،ولاتعد تداعيات التغير المناخي  والأمن الغذائي وأمن الطاقة ببعيدة عن تلك القائمة، وكذلك سعي بعض الدول لامتلاك السلاح النووي، وتلك أمثلة  على سبيل المثال لا الحصر ، ومع أهمية التعاون الثنائي بين دول المنطقة لمواجهة تلك التهديدات  الأمن الإقليمي فإن الشراكات الإقليمية والدولية تبقى متطلباً مهماً في ظل طبيعة التهديدات وتطورها بشكل كبير، إلا أنه في الوقت ذاته تقع على عاتق جامعة الدول العربية عدة مهام في ضوء نجاح قمة الرياض ويمكن تحديدها فيما يلي:

1-إعادة بناء الوحدات المكونة للأمن الإقليمي: أجمعت كافة المساهمات  الأكاديمية التي تناولت أطر الأمن الإقليمي على أن قوة تنظيمات الأمن الإقليمي تنبع من قوة الوحدات المكونة لها، بما يعنيه ذلك من أن هناك ضرورة استراتيجية لإعادة بناء الدول العربية التي تشهد صراعات مزمنة من خلال مبادرات من جانب جامعة الدول العربية لحوار شامل بين أطراف الصراع وذلك تكاملاً مع المبادرات التي تقدمت بها الدول العربية المحورية بما يعزز من فرص نجاح تلك المبادرات.

2-  التفكير في تطوير ميثاق عربي للأمن القومي:  فمن خلال تتبع عمل تنظيمات الأمن الإقليمي في مناطق مختلفة من العالم نجد أنها تتسم بالمرونة في عملها بما يتلاءم والتحولات الإقليمية  والعالمية، صحيح أن الهيكل المؤسسي لتلك التنظيمات يظل حاكماً لعملها ولكن لا يحول ذلك دون تطورها وخاصة على صعيد اتخاذ القرارات وكذلك آليات العمل المشترك  ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر المقترحات السابقة بشأن تأسيس قوة عربية مشتركة للتدخل في الأزمات وغيرها من المقترحات التي لم تكتمل.

3- تأسيس لجان للعمل متعدد الأطراف : وذلك لمواجهة تحديات مثل الأمن الغذائي وغيرها من التحديات المشتركة ولايشترط أن تكون كافة الدول العربية أعضاء في اللجان كافة ولكن يترك لها حرية الاختيار ما يناسبها من حيث متطلباتها وقدراتها على المساهمة في مواجهة هذا التحدي أو ذاك.

4-  الفصل بين التعاون الاقتصادي والمسارات السياسية:   وربما يرى البعض أن ذلك طرحاً نظرياً ولكنه يظل المسار الواقعي للتعاون بين الدول العربية بمعنى أنه يجب أن تكون هناك مشروعات عربية مشتركة ممتدة لا تتأثر سلباً بمسار العلاقات بين الدول وتقدم التجارب الأوروبية دروساً مهمة في هذا الشأن.

5-     تأسيس آلية عربية موحدة لإدارة الأزمات والكوارث:  صحيح أن جامعة الدول العربية انشأت  وحدة لإدارة الأزمات والإنذار المبكر في أكتوبر عام 2012، فضلاً عن إصدار الجامعة العربية الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث عام 2020م ، فإنه لاتزال هناك حاجة لجهاز عربي فاعل لإدارة الأزمات والكوارث، ومن ذلك على سبيل المثال إجلاء الرعايا من مناطق الصراع وتقديم مساعدات عاجلة، بالإضافة لمواجهة آثار الكوارث مثل الزلالزل والسيول وغيرها من الكوارث ، بل أن الكوارث البحرية تحتاج لخطط واستراتيجيات متكاملة في ظل محورية النقل البحري بالنسبة لاقتصادات الدول العربية وخاصة طرق التجارة العالمية.

 وتلك مقترحات على سبيل المثال لا الحصر ، إلا أن أي جهود عربية لمواجهة تهديدات الأمن الإقليمي وبناء تلك المنظومة أو بالأحرى تفعيلها يظل مرتهناً بخمسة متطلبات أولها:تحديد الأولويات، صحيح أن التهديدات عديدة ولكن من المهم تحديد الأولويات لأنها سوف تحدد الإطار الزمني اللازم للمواجهة سواء على المدى القريب أو البعيد، وثانيها: تحديد طبيعة مساهمات الأطراف والتي لايشترط أن تكون متساوية ، فبعض الدول لديها خبرات استخباراتية والأخرى لديها قدرات مالية وغيرها لديها موقع جغرافي متميز وجميعها مقومات يمكن أن تتكامل معاً بشكل طوعي ضمن أطر متعددة الأطراف للتعاون الإقليمي، وثالثها: وضع تصورات لتأثير ذلك مسار ومضمون التعاون العربي على منظومة الأمن الإقليمي بأسرها، ورابعها: تحديد الأطراف الدولية ودورها في ظل ارتباط الأمن الإقليمي بمصالح الدول الكبرى،بمعنى آخر هناك حاجة لمراجعة كافة مبادرات القوى الدولية تجاه الأمن الإقليمي وتأثيرها في منظومة ذلك الأمن، وخامسها: تحديد آليات عملية للتعاون الذي يجب أن يعكس مصالح كافة الأطراف بشكل متكافئ.

 خلاصات الورقة

  • بغض النظر عن نجاح تنظيمات الأمن الإقليمي أحياناً وإخفاقها أحايين أخرى في مواجهة التحديات التي تواجه أمن دولها، وهي سمة ليست لصيقة بالتنظيمات العربية وإنما تطال كافة التنظيمات بما فيها الوضع الراهن للاتحاد الأوروبي بشأن تداعيات الأزمة الأوكرانية وكذلك الاتحاد الإفريقي والأزمة في السودان، فإن وجود تلك التنظيمات كمستوى وسيط بين الأمن الوطني والأمن العالمي يعد ضرورة استراتيجية حيث عكست بعض اجتماعات المنظمة الأممية تسييساً واضحاً للقضايا محل النقاش مؤسس على توازن القوى داخل المنظمة ومن ثم فإن اضطلاع تنظيمات الأمن الإقليمي بحل الصراعات الإقليمية يعد خياراً استراتيجياً بالنظر لدراية تلك التنظيمات بمخاطر تلك الصراعات وضرورة إيجاد حلول جذرية لها.
  • مع أهمية مخرجات قمة الرياض فإنها انعقدت في وقت يشهد مصالحات عديدة ،صحيح أن عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية يعد تحولاً نوعياً في مسيرة التضامن العربي، ولكن المصالحات الإقليمية أيضاً من شأنها أن تمثل بيئة إيجابية لعمل الجامعة مستقبلاً وخاصة الحوار مع دول الجوار ” إيران، تركيا” بدلاً من المواجهات عبر عقود خلت وقد كانت هناك مبادرات من جانب جامعة الدول العربية بشأن الحوار مع دول الجوار .
  • مع أهمية مسارات التعاون العربي فإن التعاون العسكري لايزال أحد أسس الحفاظ على الأمن القومي العربي،ومع أهمية ما تحقق في ذلك المسار فإن تغير طبيعة التهديدات الأمنية وخاصة في ظل توظيف التكنولوجيا في الصراعات الإقليمية بما يعنيه ذلك من إعادة ترتيب قوة الدول فإن الجامعة العربية يقع على عاتقها اتخاذ مبادرة نوعية بشأن توظيف التكنولوجيا في التعاون العسكري العربي حيث يلاحظ أن تلك التكنولوجيا كان لها تأثير في مسار الحرب في أوكرانيا على سبيل المثل وتقدم مؤشراً مهماً على آليات التعامل مع الحروب عموماً.
  • على الرغم من أهمية الجامعة كإطار إقليمي للعمل العربي المشترك فإنه لايجب تجاهل التنافس الدولي تجاه المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً وهو ما يجب أن يكون محل اهتمام الجامعة بكيفية إدارة ذلك التنافس بما يحقق الأمن القومي العربي بعيداً عن محاولات الاستقطاب من جانب قوى إقليمية وأخرى دولية.
  • ضرورة دراسة تجارب الأمن الإقليمي المشابهة للخروج بدروس مستفادة من آليات عملها، فالعديد من تلك التنظيمات استطاع استحداث للعمل الجماعي لمواجهة المستجدات الأمنية، ومن ثم لابد للجامعة التفكير في مثل تلك الآليات التي تكتسب أهميتها في ظل زيادة وتيرة التهديدات وكذلك نوعيتها.

الدكتور أشرف كشك، باحث أول

Related posts