بين ترامب وكلينتون، دول مجلس التعاون الخليجي تفضل العمل كالمعتاد

مع اقتراب السباق الرئاسي للبيت الأبيض، يتزايد الاهتمام دول مجلس التعاون تماما مثل بقية العالم عن من سيكون الرئيس الأمريكي المقبل. فسياسات كلينتون تختلف بشكل جذري عن سياسات ترامب، ولهذه السياسات تأثير مباشر على دول مجلس التعاون، لا سيما في قطاعات الطاقة والتجارة.

أهمّ الروابط الاقتصادية التي تجمع دول مجلس التعاون والولايات المتحدة هي في مجال الطاقة؛ حيث إنّ حوالي 25% من واردات الولايات المتحدة من النفط الخام تأتي من دول مجلس التعاون؛ لذلك فإنّ سياسات الطاقة لمرشّحي الرئاسة الأمريكية لها تأثير مباشر على دول مجلس التعاون. وسياسات الطاقة المطروحة من قبل كلنتون ومواقفها – خلال خبرتها الطويلة كسياسية – واضحة؛ حيث تركّز سياستها على تقييد عمليات التنقيب عن النفط في أمريكا؛ لإنّها تعتبر تغيّر المناخ تهديداً ملحّاً.

عندما كانت عضواً في مجلس الشيوخ صوّتت كلينتون لصالح إلغاء الدعم الحكومي للتنقيب المقدّم لشركات النفط والغاز؛ ففي رأيها أنّ شركات النفط الأمريكية تتمتع برفاه كبير؛ فلذلك يجب وضع سياسات للسيطرة على أرباح شركات النفط وتحسين إدارة موارد الطاقة العامة. ومن هذا المنطلق صوّتت كلينتون على عدّة قرارات اخرى؛ لوضع حدود على شركات النفط في أمريكا، فمثلاً صوّتت لصالح حظر التنقيب عن النفط في المحميّة القومية للحياة البريّة في المنطقة القطبية الشمالية في ألاسكا. ولذلك كبديل تشجّع كلينتون الاستثمار في الطاقة المتجدّدة، وتريد تمديد خطّة الطاقة النظيفة التي قدّمها أوباما؛ للحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من محطات توليد الطاقة. وذكرت كلينتون في حملتها الانتخابية أنها تريد زيادة الألواح الشمسية في الولايات المتحدة بأكثر من نصف مليار في السنوات الأربع من توليها الحكم.

أمّا ترامب فسياساته التي طرحها في حملته الانتخابية تختلف بشكلٍ جذريّ عن سياسات كلينتون؛ حيث يريد ترامب تنشيط حضور أميركا في قطاع النفط والغاز وجعل الولايات المتحدة مستقلّة تماماً عن أي حاجة لاستيراد الطاقة. تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة ليس في صالح الولايات المتحدة، حيث أن أبسط الأسس الاقتصادية تبين لنا أنه اكثر كفاءة اذا تم الحصول على كل نوع من الوقود من المصدر الأقل تكلفة بغض النظر عن ما إذا كان هذا مصدر محلي أو خارجي.

على نحو مماثل، سياساته متناقضة حيث أنه يشدد على أن الحكومة لا ينبغي أن تختار الفائزين والخاسرين، وبالتالي يجب أن تتحرر أسواق الطاقة ويجب ازالة القوانين والأنظمة على شركات النفط والغاز، فمثلاً يريد أن يزيل القوانين التي تحدّ من حرية شركات الطاقة مثل القوانين البيئية التي تحمي التيارات المائية والأراضي الرطبة من تعدين الفحم والصناعة. رغم ذلك فإن سياسته لزيادة انتاج الفحم تتعارض مع قواعد السوق الحرة حيث من الواضح أن استهلاك الفحم انخفض في الولايات المتحدة بسبب قوى سوقية، كما يعترض ترامب على استخدام مصادر الطاقة المتجدّدة؛ حيث يرى أنها مكلفة للغاية. وذكر أنه سيلغي خطّة الطاقة النظيفة التي طرحها أوباما.

ومن هنا نرى أنّ سياسات الطاقة المطروحة من قبل ترامب ليست في صالح دول مجلس التعاون؛ فزيادة إنتاج النفط والغاز من قبل الولايات المتحدة، لن يقلّل من الواردات الأمريكية للنفط الخليجي فقط، بل سيؤدّي إلى زيادة الإنتاج العالمي من النفط، وسيؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على الأسواق العالميّة.

ليس لترامب خبرة كبيرة في السياسة؛ فهو مبتدئ في السياسة الانتخابية، لكنّه رجل أعمالٍ ناجح، وتبيّن لنا مواقفه وتصريحاته أنه يبني سياساته المقترحة بناءً على خبرته التجارية. فمثلاً خطّته في حال انهيار الاقتصاد الأميركي بنيت على أساس خبرته في حالات إفلاس الشركات، فهو يقترح خفض عوائد الدائنين على قروض الخزانة الأميركية. وتعدّ هذه الخطّة متهوّرة، وقد تؤدّي إلى ارتفاع كبير في معدلات الفائدة؛ بسبب زيادة المخاطر على الدائنين. كما تبيّن لنا مواقفه وخبراته السابقة أنه يقدّم مصالحه التجارية على القوانين والقيم، ومن المتوقع أن تكون أفعاله هي ذاتها إذا تولّى الحكم.

تفكير ترامب قائم على الجشع وتحقيق أقصى قدر من الأرباح، فمثلاً يقول إنّ المملكة العربية السعودية لا تدفع للولايات المتحدة ما هو مطلوب منها مقابل الحماية التي تقدّمها القوات الأمريكية للسعودية. ولهذا ينتقد الصفقات التجارية الحالية للولايات المتحدة، ويقول إنّه يمكن التفاوض على صفقات أفضل. كما إنّه اتهم الصين بالتلاعب بعملتها، وأنّها إذا لم تغيّر من تصرّفها فإنه سيفرض ضريبة بقيمة 45% على الواردات الصينية.

فرض سياسات حمائية من قبل الولايات المتحدة ربما يسفر عن تدابير مماثلة ضد المنتجات الأمريكية. وقد حذّر العديد من الاقتصاديين من السياسات المطروحة من قبل ترامب؛ حيث أوضحت كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي أنّ السياسات الحمائية كتلك المطروحة من قبل ترامب ستؤدي إلى تباطؤ النموّ العالمي. ومع تباطؤ النموّ العالمي ينخفض الطلب على النفط والغاز؛ ممّا سيؤدي إلى تراجع اقتصاد دول مجلس التعاون.

أمّا كلينتون فهي أكثر انفتاحاً للتجارة من ترامب، فرغم أنّها غيّرت وجهة نظرها حول اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) – حيث أبدت رفضها لها – إلّا أنّها تؤكد أهمية التجارة الحرّة مع دول العالم. فعندما كانت عضواً في مجلس الشيوخ صوّتت لصالح التجارة الحرّة مع عمان والمغرب وأستراليا وسنغافورة وشيلي.

وكالة موديز قامت بتحليل سياسات المرشحين المقترحه وتوصلت إلى أن سياسات كلينتون ستعزز النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في حين أن التبني الكامل لسياسات ترامب سيؤدي إلى الركود. اذا فازت كلينتون سيتم بذل جهود لعرقلة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وهذا إلى جانب النمو الاقتصادي المتوقع في ظل حكمها سيؤدي على الأرجح إلى ارتفاع في الاستهلاك المحلي من استهلاك النفط والغاز.

في حالة فوز كلينتون العمل كالمعتاد هو النتيجة المحتملة للعلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة. أمّا ترامب فقد قام خلال حملته الانتخابية بتغيير مواقفه وتصريحاته في العديد من المرّات، وهذا التغيير في مواقف ترامب هو أحد الأسباب التي تجعل دول الخليج تفضّل كلينتون؛ فسياستها قابلة للتنبّؤ أكثر من نظيرها.

Related posts