الانقلاب الفاشل في تركيا: فرصة لتقوية العلاقات الاقتصادية بين تركيا ودول مجلس التعاون

لقد تجاوزت تركيا مرحلة التخوف من الانقلاب الفاشل الذي وقع في مساء ال15 من يونيو، فقد استطاعت الحكومة المنتخبة من التصرف بحكمة وأن تستعيد السيطرة على مقاليد الأمور في ساعات معدودة. ولا يزال اثر الانقلاب يتردد أصداؤه في عواصم القرار العالمية. وتوترت العلاقات التركية الأمريكية حيث أبدت تركيا في اكثر من تصريح عن انزعاجها من موقف الولايات المتحدة بعد الانقلاب. كما أعرب وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي عن مخاوفهم من آثار الإجراءات التي اتخذتها تركيا بعد الانقلاب.

ورغم أن احتمالات دخول تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي كانت ضئيلة من قبل الانقلاب، إلا أن الصورة أصبحت أوضح بعد تصريحات مسؤولون أوروبيون بعد الانقلاب حيث قال المستشار النمساوي كريستيا كيرن إن مفاوضات انضمام تركيا باتت “ضرباً من الخيال”، وقد سبقه إلى هذا القول مسؤولون آخرون. كما أكدت فيديريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية، أن تركيا لايمكن أن تصبح عضوا في الاتحاد الاوروبي في حال طبقت عقوبة الاعدام. وكانت القيادة التركية قد صرحت بعد الانقلاب عن احتمال إعادة عقوبة الإعدام.

فماذا تستفيد تركيا من الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي؟ الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يقلل من الحواجز التي تعوق التجارة وتدفق رءوس الأموال وتنقل الأشخاص. ولقد انضمت تركيا إلى الاتحاد الجمركي الاوروبي في عام 1995، هذا الاتحاد الجمركي يقضي على التعريفات الجمركية والحواجز الكمية على التجارة في السلع الصناعية ولكنه لا يشمل الخدمات والزراعة (باستثناء المنتجات الزراعية المصنعة). وبسبب أن معظم صادرات تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هي الآلات ومعدات النقل والسلع المصنعة فقد استفادت تركيا كثيرا من الاتحاد الجمركي وأصبحت تركيا اليوم خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي. وبسبب أن التجارة بين تركيا والاتحاد الأوروبي هي تجارة حرة فإن تشجيع التجارة بين تركيا والاتحاد الأوروبي ليس السبب الرئيسي لانضمامها إلى الاتحاد الاوروبي. بل إن المكسب الرئيسي من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يتمثل في تحسن المؤسسات الاقتصادية في تركيا. حيث أن الاصلاحات في التي يريدها الاتحاد الأوروبي من تركيا قبل الموافقة على دخولها الاتحاد الاوروبي من المتوقع أن تزيد من وتيرة النمو الاقتصادي في تركيا.

وبما أن هدف تركيا الرئيسي من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هو لزيادة النمو الاقتصادي، فإن تركيا أثبتت أنها قادرة على القيام بالاصلاحات ووضع سياسات ناجحة جعلت تركيا تنمو بشكل كبير في السنين القليلة الماضية. وبما أن هدف تركيا اليوم كما أعلنت في رؤية 2023 هو أن تصبح تركيا واحدة من أكبر عشر اقتصادات في العالم وأن تصل صادراتها السنوية إلى 500 بليون دولار أمريكي، وفي في ظل توتر العلاقة بين تركيا واهم حلفاءها في الغرب فإن دول مجلس التعاون تستطيع أن تستفيد من هذا كله عبر التقارب مع تركيا اقتصادياً. فهذا التقارب مع دول مجلس التعاون قد يكون هو أفضل البدائل لتركيا بدل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. عقد اتفاقية تجارة حرة بين دول مجلس التعاون وتركيا يمكن أن يحقق لتركيا بعضاً من الفوائد الاقتصادية التي كانت تأمل في الحصول عليها عبر الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

هناك تكامل كبير بين اقتصاد تركيا واقتصاد دول الخليج ولذلك فإن تشجيع التجارة بينهما سيؤدي إلى تسارع وتيرة النمو لكلا الطرفين. لقد تبنت تركيا نفس سياسة دول شرق آسيا «التصنيع الموجه الى التصدير»، ولذلك تحتاج تركيا إلى تأمين مصادر الطاقة لتغذية مصانعها المتزايدة. وبما أن تركيا حاليا تستورد حوالي 90% من احتياجاتها من الطاقة، وأن احتياطات النفط والغاز في دول مجلس التعاون هي من أكبر الاحتياطات في العالم فإن هناك مجال كبير للتعاون في هذا المجال.

وبما أن تحقيق الأمن الغذائي هو في غاية الأهمية بالنسبة لدول مجلس التعاون فيمكنها الاستفادة من دور تركيا كسابع أكبر دولة منتجة للسلع الزراعية والغذائية في العالم. وبما أن تركيا حاليا تصدر حوالي 1800 نوع من المنتجات الزراعية و هدفها أن تصل صادراتها الزراعية إلى 40 بليون دولار امريكي بحلول 2023 يمكن أن تكون دول مجلس التعاون هي الوجهة الرئيسية لهذه الصادرات.

وهناك مجال كبير أيضا لتعاون خليجي- تركي في المجال العسكري فقد شهدت تركيا في السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في صناعة السلاح. ونتيجة لذلك شهدت السنوات القليلة الماضية طفرة في صادرات تركيا من الأسلحة والمعدات العسكرية المختلفة والمتفجرات والصواريخ إلى حوالي 30 بلدا أجنبيا من بينها الولايات المتحدة وسويسرا والفلبين والمملكة العربية السعودية. كما أن مشاريع التصنيع العسكري التركية طموحة فقد بدأت تركيا في إنتاج طائرات من دون طيار ومقاتلات نفاثة. ورغم الزيادة الكبيرة في واردت المملكة العربية السعودية للأسلحة التركية في العام الماضي، إلا أنه هناك مجال أكبر للتعاون وخاصة في ظل تقارب المصالح الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون وتركيا. ومع التقدم السريع في تصنيع السلاح في تركيا أصبحت تركيا اليوم قادرة على منافسة الدول الأخرى وأن تكون المزوّد الاساسي لدول الخليج.

تركيا اليوم تبحث عن حلفاء استراتيجيين لتقوية اقتصادها وهذا ما يفسر التطور المذهل في العلاقات التركية الروسية. فبعد التوتر في العلاقات بين البلدين اعتذرت تركيا عن اسقاط الطائرة الروسية، وبدأت تركيا وروسيا في اتخاذ خطوات لتطبيع العلاقات حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين في التاسع من اغسطس. وعلى رغم التقارب الكبير بين تركيا وروسيا مؤخراً، إلا أن اختلاف التوجهات السياسية بين البلدين وخاصة حول القضية السورية والتوتر السياسي بين البلدين في التاريخ القريب يوضح لنا أن روسيا من غير المحتمل أن تكون حليفاً مهماً يعتمد عليه لتركياً.

لقد كانت تركيا عبر تاريخها دائما تتسم بهويتها الاسلامية وتقاربها الثقافي بالدول العربية. في عهد أتاتورك ارادت الحكومة فصل تركيا تماما عن عمقها الحضاري العربي والاسلامي فتوجهت تركيا إلى التقارب مع أوروبا حتى حضارياً، ولكن سرعان ما عادت تركيا إلى هويتها الاسلامية. اليوم ما يجمع تركيا ودول مجلس التعاون أكثر مما يجمع تركيا ودول الاتحاد الأوروبي أو ما يجمع تركيا وروسيا، فتشترك تركيا ودول مجلس التعاون في الدين فضلا عما يجمع بينهم من روابط حضارية، وتاريخية ومصالح استراتيجية، فلذلك تمثل دول مجلس التعاون أفضل حليف لتركيا.

Related posts