الأهمية الاستراتيجية لتأسيس لوبي سعودي-خليجي في الولايات المتحدة

لم يكن تصويت مجلس النواب الأمريكي بأغلبية الأصوات في التاسع من سبتمبر 2016 على مشروع «قانون تطبيق العدالة ضد رعاة الإرهاب» بالأمر المفاجئ، حيث سبق أن أثير بشأنه الجدل خلال الأشهر المنقضية من العام الحالي، إلا أنه لن يصبح تشريعًا إلا بعد إقراره من جانب الرئيس الأمريكي وفقًا للدستور الأمريكي في هذا الشأن، وفي حال إعادته إلى الكونجرس مرة أخرى من الرئيس فإنه يتطلب تصويت ثلثي مجلسي الشيوخ والنواب ليصبح قانونًا ساري المفعول، وعلى الرغم من تأكيد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست أن الجزء السري من تقرير هجمات 11 سبتمبر لا يظهر أي دور للسعودية في الهجمات أو حتى تواطؤ، فضلاً عن تصريح الأمين العام للأمم المتحدة بالقول «إن السعودية من أكبر الداعمين للحرب ضد الإرهاب» فإنه من الأهمية بمكان تحليل السياق العام الذي صدر في إطاره ذلك القانون وهو التحولات الجذرية التي تشهدها السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط عمومًا ومنها منطقة الخليج العربي، وبالتالي فإن ثمة حاجة للتساؤل حول كيفية «تأمين المصالح السعودية والخليجية» في الولايات المتحدة، وأتصور أن نقطة البدء في هذا الأمر يتعين أن تكون بتأسيس لوبي خليجي في الساحة الأمريكية بهدف التأثير على مؤسسات صنع القرار الأمريكية عند مناقشة القضايا الخليجية وفي مقدمتها الكونجرس الأمريكي.

ولن أبالغ القول إن تأسيس ذلك اللوبي «جماعات ضغط أو مصالح» لم يعد ترفًا بل أضحى ضرورة استراتيجية يفرضها اعتباران مهمان الأول: التحولات الجذرية التي تشهدها العلاقات الأمريكية – الخليجية والتي تفرض على دول مجلس التعاون إيجاد قيمة استراتيجية جديدة ضمن علاقاتها مع الولايات المتحدة، تقول د. دانيا الخطيب في كتابها المتميز «اللوبي الخليجي-العربي في أمريكا: بين الواقع والطموح»: «لا يستطيع الخليج العربي الاعتماد على الرئيس الأمريكي لتأمين مصالحه مع الولايات المتحدة، وقد برهنت فصول الأزمة السورية صحة هذا الأمر». وتضيف: «كذلك لا يستطيع الخليج العربي الاعتماد أكثر على قيمته الاستراتيجية التي تكونت بسبب النفط، حيث إن الخليج قد يفقد تلك القيمة في ظل اكتشاف النفط البديل في الولايات المتحدة وحينئذ لن يستطيع الخليج الوصول إلى الإدارة والرئيس»، بما يعني أنه يتعين استثمار شبكة المصالح الهائلة بين الخليج والولايات المتحدة لدعم السياسات الخليجية، أما الاعتبار الثاني فهو: أنه من الخطأ ترك الساحة الأمريكية أمام إيران إذ لم يعد سرًّا وجود لوبي إيراني كبير يعمل على الساحة الإعلامية والأكاديمية الأمريكية ضد دول الخليج عامة والمملكة العربية السعودية على نحو خاص وذلك من خلال ما يعرف بـ«المجلس الوطني للإيرانيين الأمريكيين» حيث تمكن ذلك اللوبي من اختراق وسائل الإعلام الأمريكية وتقديم صورة مغلوطة عن المملكة العربية السعودية ودول المجلس وهو ذاته اللوبي الذي لعب دورًا مهمًّا في إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم بين إيران والدول الغربية بشأن صفقة الاتفاق النووي، فإيران لم تستطع إبرام تلك الصفقة من خلال المفاوضات فحسب وإنما من خلال ذلك اللوبي الذي استطاع التغلغل في المؤسسات التي ترى إيران أنها الأكثر تأثيرًا في مراكز صنع القرار الأمريكية، ولندع الأرقام تتحدث عن ذاتها، حيث تشير دراسة أمريكية حديثة إلى أن إيران تنفق على الإعلام الأمريكي حوالي 950 مليون دولار سنويا من أجل تشويه صورة دول الخليج وتحسين صورتها لدى الرأي العام الأمريكي من خلال الندوات والدراسات والمؤتمرات ونشر المقالات في الصحف الأمريكية المختلفة.

وثمة مقومات لدى المملكة يمكن أن تمثل أساسًا صلبًا لتأسيس ذلك اللوبي ليس أقلها المصالح، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي حيث تقدر الاستثمارات السعودية لدى الولايات المتحدة بحوالي 117 مليار دولار، فضلاً عن العلاقات الثقافية حيث يوجد حوالي 80 ألف مبتعث سعودي للدراسة موزعين على 51 ولاية أمريكية، وبوجه عام تستحوذ الولايات المتحدة على نسبة 30% من برنامج الابتعاث الخارجي في المملكة العربية السعودية.

وبرأيي أنه يتعين على المملكة ودول مجلس التعاون أن تبدأ في انتهاج ثلاث آليات مغايرة للسابق في العمل على الساحة الأمريكية أولها: الانتقال من مرحلة الدفاع إلى المبادرة بالاشتباك الأكاديمي والإعلامي مع تلك الحملات المعادية والمنظمة ضد المصالح الخليجية، صحيح أن دول مجلس التعاون لم تتوان في الرد في الصحف الغربية على بعض الادعاءات أو جميعها إلا أنه يتعين الترويج للأهمية الاستراتيجية لدول المجلس ككل وأن تلك القيمة لا يمكن اختزالها في النفط بل كركيزة للأمن الإقليمي الذي أضحى جزءًا لا يتجزأ من الأمن العالمي.

وثانيها: دراسة مكونات المجتمع الأمريكي، فأي دولة تتكون من مؤسسات رسمية ولكن تلك المؤسسات تعمل ضمن بيئة أكبر تتكون من شريحة كبيرة من الرأي العام والذي يمثل عنصرًا مهمًّا في اتخاذ القرار الأمريكي، ومؤسسات المجتمع المدني التي لها مصالح وأنصار داخل تلك المؤسسات بما يعني أهمية التواصل مع تلك المؤسسات.

وثالثها: أن يكون هناك جهد خليجي جماعي منظم وذو ديمومة على الساحة الأمريكية بعيدًا عن الارتباط بقضية أو حادث أو أشخاص بعينهم وإنما العمل على المستوى المؤسسي وعلى نحو خاص تجاه المنظمات الحقوقية التي دأبت على كيل الاتهامات لدول مجلس التعاون من دون سند أو دليل.

Related posts