سأل مراسل مجلة الإيكونومسيت ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، حين مناقشة خطته الشاملة للإصلاح للاقتصادي، مؤخراً: “هل هذه النسخة السعودية لثورة ثاتشر؟”، فأجاب الأمير: “مؤكّد، لدينا العديد من الموارد الثمينة غير المفعّلة؛ كما لدينا قطاعات مميزة قابلة للنمو السريع”. ويشير ردّه إلى مختلف الأسباب المحتملة التي دفعت الحكومة نحو الاستثمار بـ 3.5 مليار دولار في «أوبر»، بعد المقابلة بعدد من الأشهر.
إذ يختلف الاقتصاد السعودي بشكل ملحوظ عن نظيره الغربي التقليدي؛ فقبل اكتشاف النفط في عقد الثلاثينييات، كان مستوى المعيشة منخفضاً للغاية، كما يتوقّع من بيئة صحراوية. وفتح «الذهب الأسود» مجالاً لطريقة حياة حديثة، ولكن تحقيقها بشكل مستعجل كان يستدعي استيراد أعداد كبيرة من العمالة الوافدة، من كلّ مستويات المهارات؛ حيث إنّ عدد المواطنين لم يكن كافياً، ولم يكن هناك نظام تعليمي متقدّم، قادر على تلبية احتياجات سوق العمل. وحتى اليوم، لا يمثّل المواطنون إلّا 50% تقريباً من القوّة العاملة.
وعلى الرغم من أنّ الثروة النفطية عزّزت مستوى المعيشة لدى السعوديين بشكل مذهل، إلّا أنّها كان لها بعض الانعكاسات السلبية، الّتي تمثّلت في عدد كبير من “الموارد غير المفعّلة” التي ذكرها ولي ولي العهد. ففي عام 2008، عمل 72% من الموظفين السعوديين في القطاع العام – تقريباً خمسة أضعاف النسبة المماثلة في أمريكا. وكانت تلك الأجهزة البيروقراطية منعزلة عن تنافس الأسواق؛ وبالتالي لم تستفد من مواردها البشرية بشكل فعّال. ولكن ارتفاع أسعار النفط، في الفترة 2008-2014، جعل ظاهرة الموارد غير المفعّلة نوعاً من الرفاهية ذات الكلفة المعقولة، وليست عائقاً أمام حياة مريحة لمواطني المملكة.
ومن بين المواطنين السعوديين، كانت النساء السعوديات أحد عناصر مكان العمل التي لم تفعّل بشكل بارز؛ حيث بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوة العاملة 12% في عام 2008. وعكس ذلك جزئياً ثراء الشعب؛ حيث إنّ تميّز العديد من الأسر بثروات ترفع عن المرأة الحاجة للعمل؛ ولكن عادت قلّة مشاركة الإناث في القوة العاملة أيضاً إلى بعض القيود القانونية والثقافية، التي خفّصت أعداد الفرص المتاحة. ومن أهمّها، تحفّظ المجتمع السعودي التقليدي نحو الاختلاط في مكان العمل، الذي – على الأرجح – شكّل عائقاً أكبر من منع الإناث من قيادة السيارات.
وازدادت صرامة عدم الاستفادة من المواطنين ذوي الجنسين بعد ما أطلق الملك عبدالله برنامج بعثات دراسية في عام 2005، حيث اتجه العديد من السعوديين الحاملين شهادات من أقوى الجامعات الأمريكية إلى وظائف غير منتجة في القطاع العام، بينما فضّل بعض الإناث عدم المشاركة في القوة العاملة، برغم نيلهن مؤهلات ذات مستوى عالمي.
وغيّر الواقعان الجيولوجي والجيو-سياسي المعادلة؛ إذ أصبحت السعودية بحاحة إلى تفعيل مواردها بشكل صحيح. ففي ظلّ بروز النفط الصخري، لا يمكن أن يتجاوز أسعار النفط مستوى 100 دولار للبرميل؛ ممّا قلّل حصة الفرد في الناتج المحلي الإجمالي لدى المملكة؛ بينما تسبّب انعدام الاستقرار الإقليمي بمستوى أعلى من الإنفاق الأمني. واستجابة لهذه الظروف، أطلقت الحكومة إصلاحات اقتصادية شاملة، مرتكزة على نقل المواطنين إلى القطاع الخاص، والنساء السعوديات إلى مكان العمل.
إذاً ما هو دور أوبر في الثورة الثاتشرية-الجديدة لدى الأمير محمد بن سلمان؟ فقد ركّز معظم المحللين على انتشار استخدام أوبر في السعودية عند فئة النساء، ولكنهم لم يستوعبوا جوهر القضية؛ حيث إنّه لا علاقة بين ملكيّة الحكومة لأسهم في الشركة، وتوفّر خدماتها للشعب.
وتركيزاً على النساء السعوديات، فإنّ فلسلفة أوبر – التبادل الرقمي بين النظيرين – تقدّم وسيلة للمرأة السعودية للتفاعل مع الاقتصاد، دون الاصطدام برغبة المجتمع؛ لتفادي الاختلاط بين الجنسين في مكان العمل.
وعلى سبيل المثال، في كافة الدول الخليجية، مكّنت وسائل التواصل الاجتماعي، مثل إنستاجرام، النساء من العمل في قطاع الضيافة دون مغادرة منازلهن، من خلال إنتاج بهارات، وإعداد وجبات، مستفيداتٍ من مرونة ساعات العمل، ومن بيئة عمل مريحة. ولا شكّ أنّ التقنيات التي تتبع قالب أوبر ستوسع نطاق الخدمات المتاح للنساء تقديمها دون معارضة التقاليد الاجتماعية؛ وبالإضافة إلى ذلك، ستعزّز فعالية سبل توفير تلك الخدمات.
ولم تطوَّر أفضل الابتكارات بعد، ولكن الحصول على مقعد في المجلس الإداري لدى أوبر قد يمثّل خطوة مهمّة في ترسيخ قالب أوبر في الاقتصاد السعودي؛ حيث إنّه سيسهّل عملية توطين الخبرة الفنية ذات الشركة، وتكييفها حسب المواصفات الخاصة لدى اقتصاد المملكة.
وتمثّل أوبر، بالأساس، عملية إزالة الوسيط – وهي فلسفة مدعومة من قبل كل من مارجريت تثاشر والأمير محمد بن سلمان. وقد عانى الاقتصاد السعودي منذ زمن طويل من أجهزة بيروقراطية متضخّمة، ويتكوّن الحلّ الأمثل في الأنشطة الاقتصادية اللامركزية لدى أوبر. ولطالما استمرّت التهديدات المتعلقة بهبوط أسعار النفط، وانعدام الاستقرار الإقليمي، فإنّ علينا أن نتذكّر تعليقات خبير الأعمال، تيم فارجو، حول الموارد غير المفعّلة: “سيؤمن أصدقاؤك بقدراتك الكامنة، بينما سيجبرك أعداؤك على تفعيلها”.