عصر الكوانتم.. ورياح التغير القادمة
تعد كمبيوترات الكوانتم من التطبيقات المعاصرة التي تشهد تقدماً مذهلاً في السنوات الأخيرة، وبالأخص أن الجانب النظري لها كان نتيجة لما يسمى بفيزياء الكم. ولقد بدأت فيزياء الكم في عام 1900م مع الفيزيائي الألماني ماكس بلانك، ومن بعده توالت المحاولات العلمية، والتي غيرت شكل الفيزياء التقليدية بشكل كبير، حيث إنها تنظر إلى المادة باعتبارها مكونة من موجات وجسيمات مندمجين معاً. ورغم قدرتها على تفسير العديد من الظواهر الطبيعية، إلا أن الغموض مازال يصاحب بعض تفاصيلها. ولذلك يقول أحد رواد فيزياء الكم ريتشارد فاينمان: «ميكانيكا الكم هي النظرية التي يستخدمها الجميع ولا يفهمها أحد على الإطلاق».
وبعيداً عن المبدأ العلمي التي يعمل على أساسه ما يسمى بالحوسبة الكمية، إلا أنها تظهر في الوقت الحالي قدرة واعدة على إجراء حسابات معقدة في سرعة قياسية، بالإضافة إلى احتمال أن تكون موفرة للطاقة بالمقارنة مع الحواسيب التقليدية. ولهذا فقد أعلن مؤخراً حلف شمال الأطلسي «الناتو» عن أول استراتيجية له متعلقة بالكوانتم، والتي تتناول كيفية تطبيق هذه التقنية في مجالات الدفاع والأمن. وهذا يظهر حجم الاهتمام العالمي بهذه التطبيقات الواعدة، والتي سوف يكون لها دوراً محورياً في تغير العديد من القطاعات الواعدة بشكل يتناسب مع التحديات القادمة.
وقد تمكننا هذه التقنية من تطوير خوارزميات متقدمة، وأساليب جديدة لتطوير ما، ما يسمى بالبطاريات الكمية، و التي تعد من أكثر التطبيقات الواعدة في مجال تخزين الطاقة. وأيضاً فبإمكان هذه الحواسيب أن تعمل على إدماج مصادر الطاقة المتجددة بشكل متكامل مع الشبكات الكهربائية، حيث إنه بإمكانها التنبؤ بحال الطقس، وباستهلاك الكهرباء بشكل سريع جداً مما يعزز من استقرار الشبكات الكهربائية، ويزيد من الاستفادة من موارد الطاقة النظيفة. ومن المتوقع كذلك أن تلعب هذه الأجهزة دوراً كبيراً لمحاكاة خصائص المواد المختلفة، وتطوير قدرتها على التوصيل وتحمل الحرارة على سبيل المثال، وبالتالي تسهم في تطوير مواد مناسبة لاستخدامها في تطبيقات الطاقة المستدامة.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من التقدم المنجز في هذا المجال، إلا أنه إلى الآن يعاني من إشكاليات متعددة. فمنها على سبيل المثال صعوبة تصميم الأجهزة، وبالأخص الذاكرة التي بإمكانها تشفير البيانات بكفاءة عالية. وأيضاً فإن عمليات الحوسبة بهذه التقنية حساسة جداً للتأثيرات الخارجية مثل تغيرات درجة الحرارة. كل هذه التحديات وغيرها لا تقلل من أهمية هذه التكنولوجيا، والتي تطور اليوم بشكل متسارع. وسيكون من المهم بمكان أن نسارع في بلادنا العربية بتطوير هذه التقنية، وربطها بخططنا الوطنية نحو الاستدامة، وبالأخص في قطاعي: كفاءة الطاقة، ومواجهة التحديات البيئية.
المصدر: جريدة الوطن
الدكتور عبدالله العباسي، مدير برنامج الطاقة والبيئة